فيما بعد على هذا الانتقام العنيف وعده سبة له "ولم يكن يتردد في أن يعطي أي طيبي ما يطلبه إليه". وقد كفّر عن بعض ذنبه بمعاملته اللينة لأثينة، فقد عفا عن نكثها ما قطعته على نفسها من عهود في السنة السابقة، ولم يتشدد في طلبه تسليم دمستين وغيره من الزعماء الذين قاوموا المقدونيين، وظل إلى آخر حياته يظهر لهم دلائل الاحترام والحب، فوهب الأكربوليس كثيراً من الغنائم التي ظفر بها في انتصاراته الآسيوية، ورد إلى أثينة تمثالي قاتلي الطغاة اللذين نهبهما خشيارشاي، وقال عقب حملة حربية مجهدة:"أيها الأثينيون، هل تعلمون أي أخطار أعرض نفسي لها لأكون خليقاً بحمدكم"(٢١).
وبعد أن أعربت جميع الدول اليونانية ما عدا إسبارطة عن ولائها للإسكندر عاد إلى مقدونية وأخذ يستعد لغزو آسية. وقد وجد أن خزائن الدولة تكاد أن تكون خاوية، بل وجد أنها مثقلة من عهد فليب بعجز يبلغ مقداره خمسمائة وزنة (نحو ٠٠٠ ر ٠٠٠ ر ٣ ريال أمريكي)(٢٢)، فاقترض ثمانمائة وشرع يتغلب على ديونه قبل أن يتغلب على العالم. وكان قد عقد النية على محاربة بلاد الفرس بوصفه بطل هلاس وناصرها، ولكنه عرف أن نصف بلاد اليونان كان يرجو أن يلاقي حتفه. ونقل إليه عيونه أن في مقدور الفرس أن يحشدوا لقتاله ألف ألف رجل؛ أما هو فلم تزد قوته التي سيرها لقتالهم على ثلاثين ألف من المشاة، وخمسة آلاف من الفرسان. بيد أن هذا الأخيل الجديد لم يعبأ بهذا الفرق الهائل، وترك اثني عشر ألف جندي بقيادة أنتباتر Antipater لحراسة مقدونية ومراقبة بلاد اليونان، وبدأ عام ٣٣٤ أجرأ وأعجب مغامرة روائية في تاريخ الملوك. وعاش بعد ذلك إحدى عشرة سنة ولكنه لم ير من ذلك اليوم بلاده أو أوربا. وبينما كان جيشه يعبر الهلسبنت من لسبوس إلى أبيدوس اختار هو أن ينزل إلى البر عند رأس سجيوم Sigeum ويسير في الطريق الذي كان يعتقد أن أجممنون سار فيه إلى طروادة. وكان في كل خطوة يذكر لرفاقه فقرات من الإلياذة،