فقد كان يحفظها كلها تقريباً عن ظهر قلب. ولما جاء إلى قبر أخيل المزعوم صب عليه الزيت تكريماً له ووضع عليه تاجاً من الزهر، وسعى عارياً حوله كما كان يفعل الأقدمون، وصاح قائلاً:"ما أسعد أخيل إذ كان له في حياته هذا الصديق الوفي، وبعد مماته ذلك الشاعر العظيم ليمجده ويخلّد ذكره"(٢٤). وأقسم في تلك الساعة أن يواصل ذلك الكفاح الطويل بين أوربا وآسية الذي بدأ عند طروادة حتى نهايته المظفرة.
وليس من غرضنا في هذا الكتاب أن نعيد ذكر انتصاراته. وحسبنا أن نقول التقى بأول جيش فارسي عند نهر غرانيقوس وهزمه. وفي هذه الواقعة أنقذ كليتس Cleitus حياة الإسكندر بأن قطع يد جندي فارسي أوشك أن يضرب الإسكندر من خلفه. وليس من دأبنا أن نفعل ما يفعله بعض المؤرخين الخياليين فنفترض الفروض ونبني التاريخ على أمثال هذه الحوادث العارضة أو نتخذها أساساً لهذه الفروض. وبعد أن أراح رجاله بعض الوقت واصل السير إلى أيونيا، وأنشأ في المدن اليونانية حكومات ديمقراطية تحت حمايته. وقد فتحت له معظم المدن أبوابها من غير مقاومة. والتقى عند إسوس بجيش الفرس الرئيسي، وكان يبلغ ٠٠٠ ر ٦٠٠ مقاتل يقودهم دارا الثالث. وكسب المعركة مرة أخرى باستخدام فرسانه للهجوم ومشاته للدفاع. وفر دارا من الميدان وترك وراءه أمواله وأسرته، وشكر له الإسكندر هديته الأولى وعامل الهدية الثانية معاملة الرجل الشهم الكريم. وبعد أن استولى على دمشق وصيدا من غير قتال حاصر صور، وكان بها أسطول فينيقي قوي أستأجره الفرس لخدمتهم في القتال. وقاومته المدينة القديمة مقاومة طويلة غضب لها الإسكندر أشد الغضب؛ ولما أن استولى عليها آخر الأمر ركب رأسه فترك رجاله يذبحون ثمانية آلاف من أهلها، ويبيعون منهم ثمانين ألفاً بيع الرقيق. واستسلمت له أورشليم بلا