مقاومة فأحسن معاملتها، وحاربته غزة حتى قُتل كل رجل في المدينة وسُبيت كل امرأة.
وواصل المقدونيون زحفهم المظفر مخترقين صحراء سيناء إلى مصر، وفيها كان الإسكندر حكيماً، فعظم آلهتها ورحب به أهلها، ورأوا فيه منقذاً أرسلته الآلهة ليحررهم من نير الفرس. وعرف الإسكندر أن الدين أقوى من السياسة فاخترق صحراء أخرى إلى واحة سيوة، وقدم الطاعة إلى الإله آمون - وهو أبوه نفسه إذا جاز لنا أن نصدق ألمبياس. وتوجَّه القساوسة المرنون فرعوناً، وأقاموا له الطقوس القديمة، ومهدوا بعملهم هذا الطريق لأسرة البطالمة. فلما تم له ذلك عاد إلى وادي النيل وبدا له أن يقيم عاصمة جديدة، أو لعله وافق على إقامتها، عند أحد مصاب نهر النيل الكثيرة؛ وربما كان اليونان المقيمون في نقراطس (نقراش) القريبة من هذا المكان قد أشاروا عليه بإنشائها لأنها بموقعها هذا تكون مستودعاً أحسن من نقراطس للتجارة اليونانية الكبيرة التي كان يرجى أن تتبادل بين مصر وبلاد اليونان. وخطط الإسكندر محيط أسوار الإسكندرية وحدود شوارعها الرئيسية، ومواضع الهياكل التي اعتزم أن يقيمها لآلهة المصريين واليونان، ثم ترك ما عدا هذا من التفاصيل لمهندسه دنقراطيس Dinocrates (١) .
ثم عاد بجيشه إلى آسية والتقى عند جوكميلا قرب أربيلا بجيش دارا المؤلف من خليط من الأمم، وارتاع لكثرة عدده، وكان يعرف أن هزيمة واحدة كفيلة بأن تذهب بجميع ما سبقها من انتصارات. لكن جنوده هدّأوا روعه وقالوا له: "طب نفساً أيها السيد المعظم، ولا ترهبك كثرة عدد الأعداء،
(١) وكان دينوقراطيس قد أدخل السرور على قلب الإسكندر بأن عرض عليه أن ينحت جبل آثوس - الذي يبلغ ارتفاعه ستة آلاف قدم - ليجعله تمثالاً للإسكندر يقف والبحر يغمره إلى وسطه، ويمسك مدينة في إحدى يديه ومرفأ في اليد الأخرى (٢٤). لكن هذا المشروع ظل حلماً من الأحلام.