وكان جنوده يرون هذا التغيير استسلاماً من الإسكندر للشرق، ويحسون أنهم بذلك قد خسروه، وفقدوا ما كانوا يرونه من أدلة العناية والعطف التي كان يضفيها عليهم في كل حين. وأظهر له الفرس فروض الطاعة والولاء، وأرضوه بضروب الملق والدهان؛ وشرع المقدونيون، بعد أن رقق الترف الشرقي طباعهم يظهرون استياءهم من الواجبات الثقيلة التي كان يفرضها عليهم، ونسوا إحسانه لهم، وأخذوا يتهامسون بالفرار من الجيش، بل إنهم شرعوا يأتمرون به ليقتلوه. وبدأ هو يفضل صحبة عظماء الفرس على صحبة اليونان.
وكان أكبر شاهد على ارتداده عن دينه أو على حسن سياسته هو جهره بألوهيته؛ وذلك أنه بعث في عام ٣٢٤ إلى جميع الدول اليونانية ما عدا مقدونية (لأن ما في الرسالة التي بعث بها من إهانة لفليب قد يثير غضب أهلها) يبلغها أنه يرغب في أن يعترف به من ذلك الوقت ابناً لزيوس - أمون. وصُدعت معظم الدول بما أمرت، ولم ترَ في الأمر أكثر من لقب صوري، بل إن الإسبارطيين المعاندين أنفسهم لم يخرجوا على الأمر وقالوا في أنفسهم:"فليكن الإسكندر إلهاً إذا شاء". ولم يكن تأليه إنسان ما، بمعنى لفظ الألوهية عند اليونان، ليرفع من شأنه كثيراً؛ ذلك أن الهوة التي تفصل بين الإنسانية والألوهية لم تكن وقتئذ واسعة كما أضحت في الأديان الحديثة. ولقد جمع كثيرون من اليونان بين الصفتين، ومن هؤلاء هبوداميا، وأوديب، وأخيل، وإجينيا، وهلن. كذلك كان المصريون يحسبون فراعنتهم آلهة؛ ولو أن الإسكندر غفل عن أن يضع نفسه في هذا الموضع لكان من المحتمل أن يغضب المصريون لخروجه هذا الخروج العنيف عن السوابق المقررة عندهم. ولقد أكد كهنة سيوة، وديديما Didyma، وبابل، وهم الذين يعتقد الناس فيهم أن لديهم مصادر خاصة يستقون منها أمثال هذه الأنباء، أنه من نسل الآلهة. أما أن الإسكندر قد اعتقد بحق (كما يظن جروت (٣١)) أنه إله بأكثر من المعنى المجازي لهذا اللفظ فأمر