بعيد الاحتمال. نعم إنه بعد أن أله نفسه أصبح سريع الغضب متغطرساً، وإن سرعة غضبه وغطرسته أخذتا تزدادان على مر الأيام. ولسنا ننكر أيضاً أنه جلس على عرش من الذهب، وارتدى ثياب كهنوتية، وزين رأسه في بعض الأحيان بقرني أمون (٣٢). ولكنه حين لم يكن يظهر ألوهيته لأغراضه الدنيوية كان يسخر من هذه العظمة التي يدعيها لنفسه؛ ولما أن جرحه سهم قال لبعض أصدقائه:"هاأنتم هؤلاء ترون أن هذا دم لا غذيذة كالتي تسيل من جراح الآلهة المخلدين"(٣٣). وما من شك في أنه لم يكن يحمل قصة والدته عن الصاعقة محمل الجد، ذلك واضح من غضبه الشديد على أتلس حين قال ما قال عن مولده، ومن قوله هو عن حاجته إلى النوم الذي يميز البشر عن الآلهة. وحتى أولمبياس نفسها قد ضحكت ساخرة حين سمعت أن الإسكندر قد سجل قصتها الخرافية في السجلات الرسمية، وسألت قائلة:"ألم يأن للإسكندر أن يمتنع عن التشنيع عليّ عند هيرا"(٣٤)؟ ولقد ظل الإسكندر نفسه بالرغم من ربوبيته يقرب القرابين إلى الآلهة، وهو عمل لم نسمع قط بأن إلهاً قد أتى به. ولم يكن بلوتارخ وأريان وهما الرجلان اللذان يستطيعان أن يحكما في هذه المسألة لأنهما يونانيان، يشكان في أن الإسكندر قد أله نفسه ليتخذ ذلك التأليه وسيلة تيسر له حكم سكان إمبراطوريته المختلفي الأجناس والذين يؤمنون بالخرافات (٣٥). ولا ريب في أنه كان يحس أن مهمة توحيد العالمين المتعاديين تُيَسَّر له إذا قبلت الطبقات العليا من أهلهما دعوى ربوبيته وعظمته الطبقات الدنيا وقدسته. ولعله قد فكر في أن يتغلب على ما تثيره الأديان المختلفة في الإمبراطورية من نزعة انفصالية بأن ينشر فيها حول شخصيته أسطورة مقدسة وديناً عاماً تؤمن به جميع شعوب هذه الإمبراطورية (١).
(١) ويحدثنا لوشيان عن هذا الرأي القديم في إحدى "محاورات الموتى" فيقول: "فليب: لا تستطيع أن تنكر أنك ولدي، ولو أنك كنت ابن أمون لما جاز عليك الموت. الإسكندر: لقد كنت طوال الوقت أعرف أنك أبي، ولم أقبل قول الوحي إلا لأني ظننته خطة سياسية صالحة … ذلك أن البرابرة حين عرفوا أن الذي أمامهم إله، امتنعوا عن القتال، وقد يسر لي ذلك هزيمتهم وفتح بلادهم".