ولم يكن في مقدور المقدونيين أن يسبروا غور خطط الإسكندر السياسية. ذلك أنهم وإن تأثروا بالروح اليونانية إلى الحد الذي تحررت به عقولهم من الاسترقاق الفكري، لم يرقوا إلى درجة التسامح الفلسفي؛ ورأوا أن ما طلبه إليهم من السجود له حين يقتربون منه لا يرضونها لأنفسهم. ومن أجل ذلك دبر فيلوتاس Philotas، وهو ضابط من أشجع ضباطه ابن قائد من أكفأ قواده وأحبهم إليه، بالاشتراك مع القائد برمنيو Parmenio مؤامرة لقتل الإله الجديد. ووصلت أنباء المؤامرة إلى مسامع الإسكندر، فأمر بالقبض على فيلوتاس وانتزع منه بضروب التعذيب اعترافاً باشتراك أبيه مع المتآمرين. وأرغم على أن يكرر هذا الاعتراف أمام الجند، فرجموه من فورهم بالحجارة حتى مات، وكانت هذه عادتهم في مثل هذه الحالة. أما برمنيو فقد أعدم بأمر الملك لأنه مجرم في أغلب الظن، وأنه على كل حال عدو لا يؤمن جانبه. وتوترت العلاقات بين الإسكندر وجيشه من ذلك الحين - فأخذ الجنود يزدادون غضباً واستياء، وأخذ الملك يزداد في كل يوم ريبة وقسوة وعزلة.
وحمله تساميه، وعزلته، وكثرة مشاغله المطردة الزيادة، على أن يحاول إغراق همومه في الشراب. وقد حدث في مأدبة أقيمت في سمرقند أن شرب كليتس الذي أنقذ حياة الإسكندر في يوم غرانيقوس حتى فقد وعيه، فقال للإسكندر: إن ما نال من النصر يرجع الفضل فيه إلى جنوده لا إليه، وإن أعمال فليب أعظم من أعماله. وكان الإسكندر هو الآخر ثملاً فقام ليضربه، ولكن بطليموس لاجوس ptolemy Lagus (الذي أصبح بعد قليل والياً