فلندز بيتري، وهو الذي لا يتردد عادة في قبول أكبر الأرقام في تاريخ مصر، إنها من صنع ما بعد الأسر، وعزا ماسبيرو، الذي لم يفسد علمُه الغزير أسلوبه الممتع المنمق، الفخار المصري الباقي من العصر الحجري الحديث إلى الدولة الوسطى. ولكن ده مورجان كشف في عام ١٨٩٥ م عن سلسلة متدرجة تكاد تكون متصلة الحلقات من حضارات تنتمي إلى العصر الحجري القديم- تطابق في أكثر نواحيها الحضارات المماثلة لها والتي جاءت في أوربا بعدها بزمن طويل. وكان ما كشفه من مخلفات هذه الحضارات المصرية رؤوس معاول يدوية، ومطارد، ورؤوس سهام، ومطارق عثر عليها على طول مجرى النيل (١٣). وتتدرج مخلفات العصر الحجري القديم تدرجا غير ملحوظ إلى مخلفات العصر الحجري الحديث على أعماق تدل على أنها تنتمي إلى العهد المحصور ما بين ٠٠٠ ر ١٠، و ٠٠٠ ر ٤ سنة قبل الميلاد (١٤). وترقى صناعة الأدوات الحجرية شيئاً فشيئاً، وتزداد تهذيباً، وتصل إلى درجة من الحدة والصقل ودقة الصنع لا تضارعها فيها آية ثقافة أخرى وصل إلينا علمها من ثقافات العصر الحجري الحديث (١٥). وقبيل أواخر هذا العهد تظهر صناعة المعادن في صور مزهريات ومثاقب ودبابيس من النحاس وحلي من الفضة والذهب (١٦).
ثم يتدرج ذلك العصر إلى العصور التاريخية وتظهر الزراعة في أثناء هذا التدرج. وكان أول ما كشف من آثار عصر الانتقال في عام ١٩٠١ م حين عثر في بلدة البداري الصغيرة "وهي في منتصف المسافة بين القاهرة والكرنك" على جثث بين أدوات تنتمي إلى عهد يرجع إلى ما قبل المسيح بنحو أربعين قرناً. ووجدت في أمعاء هذه الجثث، التي أبقى عليها جفاف الرمال وحرارتها ستة آلاف عام، قشور من حب الشعير (١٧) غير المهضوم. ولما كان الشعير لا ينبت بريا في مصر فقد استدل من وجودها على أن البداريين كانوا يعرفون زراعة الحبوب. وقد بدأ سكان وادي النيل من ذلك العهد السحيق أعمال الري