بقتل زعماء الفتنة، ثم ألقى على الجنود خطبة مؤثرة (٣٩)(ولكنها في أغلب الظن مشكوك في صحتها) ذكر فيها كل ما فعلوه من أجله، وكل ما فعله هو من أجلهم، وسألهم هل فيهم مَن يستطيع أن يظهر في جسده من الجروح أكثر مما فيه هو؟ وهل فيهم رجل مثله في جسمه أثر من كل سلاح من أسلحة القتال؟ ثم أذن لهم جميعاً في آخرها أن يعودوا إلى ديارهم وقال لهم:" عودوا إلى أوطانكم وقولوا للناس إنكم تخليتم عن مليككم، وتركتموه في حماية الأجانب المغلوبين". ثم آوى إلى حجرته وأبى أن يقابل أحداً من الناس. فندم جنوده أشد الندم، وأقبلوا على قصره، وألقوا بأنفسهم على الأرض أمامه، وأعلنوا أنهم لن يغادروا أماكنهم حتى يعفو عنهم ويعيدهم إلى جيشه. ولما أن ظهر أمامهم في آخر الأمر، أجهشوا بالبكاء وأصروا على أن يقبلوه، فلما رضي عنهم عادوا إلى معسكرهم ينشدون أناشيد الحمد والثناء.
واغتر الإسكندر بمظاهر الحب هذه، فأخذ يحلم بمواصلة الحروب والانتصارات، ووضع الخطط لفتح بلاد العرب الغامضة، وأرسل بعثة لارتياد أقاليم بحر قزوين، وفكر في الاستيلاء على أوربا حتى أعمدة هرقل. غير أن تعرضه للأجواء المختلفة وإدمانه الشرب كانا قد أضعفا بنيته القوية، كما أن مؤامرات ضباطه وتمرد جنوده كانا قد أوهنا قوته النفسية. وبينما كان الجيش في إكبتانا مرض هفستيون Hephaestion أعز أصدقائه وقضى نحبه. وكان الإسكندر يحبه حباً بلغ من شدته أنه حين دخلت زوجة دارا خيمة الملك الفاتح وانحنت أولاً لهفستيون احترماً له لظنها أنه هو الإسكندر، قال لها الملك الشاب في رقة ولطف:"إن هفستيون هو أيضاً إسكندر"(٤٠) وكأنما أراد بقوله هذا أنه هو وهفستيون رجل واحد. وكثيراً ما كان الرجلان يشتركان في خيمة واحدة، وكانا في الحرب يقاتلان جنباً إلى جنب. وأحس الملك بعد موته أن نصفه قد انتزع منه، فأحزنه ذلك وفت