استيراد الفضة من أسبانيا أرخص من استخراجها من مناجم البلاد، وأضحت مناجم الذهب في تراقية تُغني خزائن مقدونية وتجمل عملتها بعد أن كانت تصب ثروتها في أثينة.
وبينما كانت موارد الرجولة والمواطنية المستقلة ينضب معينها في القرى، كانت الصناعة وحرب الطبقات تفعلان فعلهما في المدن، فكانت المصانع الصغيرة في أثينة وفي جميع المدائن الكبرى في العالم الهلنستي يتزايد عددها وعدد العبيد الذين يعملون فيها؛ وكانت تجار الرقيق يصحبون الجيوش، ويبتاعون من لا يُفتدون من الأسرى، ويبيعونهم بسعر ثلاث مينات أو أربع (مائة وخمسين ريالاً أو مائتي ريال) في أسواق الرقيق الكبرى في ديلوس ورودس. وكان عدد من الناس يشعرون بما في هذا النظام القديم، نظام الاسترقاق، من مجافاة للمبادئ الإنسانية؛ وكان من ثمار الفلسفة أن سرت في قلوب الناس عاطفة إنسانية نبيلة؛ يُضاف إلى هذا أن الروح العالمية التي سادت ذلك العصر لم تكن تميز بين الأجناس البشرية، وأن العمال المأجورين الذين يخرجون من الأعمال حين لا تأتي بأرباح ليعيشوا من معونة الدولة، كانوا في كثير من الظروف أقل كلفة من العبيد الذين لا بد من إطعامهم على الدوام (١٢). وكان من أثر هذه العوامل كلها أن أخذ عدد العبيد المحررين يزداد في ذلك الوقت زيادة ملحوظة.
وكسدت التجارة في المدن القديمة ولكنها راجت في المدن الحديثة، فازدهرت الثغور اليونانية في آسية ومصر على حساب ثغر بيرية، وحتى في أرض اليونان القارية كانت خلقيس وكورنثة هما اللتين استفادتا من تيار التجارة الهلنستية الزاخر؛ فقد كان التجار لا ينقطعون عن التردد غادين رائحين على هذين البلدين ذوي المركز الهام والاستعداد التجاري العظيم، كما لم يكونوا ينقطعون عن التردد على أنطاكية، وسلوقية، ورودس، والإسكندرية، وسرقوسة؛ وكانوا ينشرون مع تجارتهم نزعتهم العالمية والمتشككة. وتضاعف عدد رجال المصارف، ولم يكونوا يقرضون المال