للتجار والملاك فحسب، بل كانوا يقرضونه أيضاً للمدن والحكومات (١٣). وكان لبعض المدن مثل ديلوس وبيزنطية مصارف عامة أو وطنية تودع فيها الحكومات أموالها ويديرها موظفون معينون من قبل الدولة (١٤). وفي عام ٣٢٤ أنشأ أنتمنيس الرودسي أول نظام معروف للتأمين، وذلك بأن ضمن للملاك نظير ثمانية في المائة من إيرادهم ما عسا أن يصيبهم من الخسارة إذا فر منهم عبيدهم (١٥). وكانت نتيجة انطلاق الأموال المكدسة في خزائن بلاد الفرس، وسرعة تداول رؤوس الأموال، أن نقص سعر الفائدة إلى عشرة في المائة في القرن الثالث، وإلى سبعة في المائة في القرن الثاني. كذلك انتشرت المضاربات انتشاراً كبيراً، ولكنها كانت على غير نظام؛ فمن المضاربين من كانوا يعملون لرفع الأسعار بتحديد الإنتاج؛ وقد وجد في البلاد من كانوا يدعون إلى تحديد مقدار الحاصلات الزراعية لكي يحتفظ الزراع بقدرتهم على الشراء (١٦). وكانت أثمان السلع مرتفعة في العادة لأن الإسكندر هو الآخر قد صب في أيدي الناس الأموال المكدسة في خزائن الملوك الأكمينيين؛ لكن هذا السبب عينه كان من الأسباب التي يسّرت سبل التجارة، ونشطت الإنتاج فعادت الأثمان إلى مستواها العادي. وازدادت ثروة الأغنياء إلى حد لم يُعرف له مثيل في تاريخ اليونان، فاستحالت البيوت قصوراً، وأضحت الرياش والعربات أفخم من ذي قبل، وكثر العبيد، وصارت وجبات الطعام قصفاً ولهواً خليعاً، وأضحت النساء معارض لثراء أزواجهن (١٧).
ولم تستطع الأجور لانخفاضها مجاراة أثمان السلع الآخذة في الارتفاع، فإذا انخفضت هذه الأسعار انخفضت معها الأجور على الفور؛ ولم تكن تكفي إلا لإطعام شخص بمفرده، وكانت سبباً في انتشار العزوبة والمسكنة، وإقفار البلاد من أهلها؛ وأخذ الفرق بين أجر العمل الحر ونفقات الرقيق ينقص-تدريجاً. ولم يكن العمل ميسراً للعمال على الدوام، وترك آلاف من الرجال مواطنهم في المدن اليونانية التي في أرض القارة ليعملوا جنوداً