المبادئ الخلقية، وشؤون الزواج، والأبوة، والقوانين، بسبب انتشار المعارف من الأمور الدنيوية. وقد كان عصر الاستنارة في أيام بركليز من أسباب تدعيم الأخلاق إلى حين، وهذا شبيه بما حدث في أوربا الحديثة فقد نمت المشاعر الإنسانية، وأيقظت-دون جدوى-في نفوس الناس استياءً شديداً من الحروب، ونشأت عادة التحكيم في المنازعات بين المدن والأفراد، وأصبحت الآداب أظرف مما كانت وأكثر صقلاً، وصار الجدل أكثر تحضراً، وانتقلت آداب اللياقة والمجاملات اللطيفة من حاشيات الملوك، حيث كان الباعث عليها السلامة الشخصية والهيبة الملكية، إلى أفراد الشعب، فلما أن جاء الرومان دُهش اليونان أشد الدهشة من سوء آدابهم وغلظة طباعهم. لقد أضحت الحياة في بلاد اليونان أرقى مما كانت وأكثر تهذيباً، وكان النساء يستمتعن بقسط أوسع من الحرية في غدوهن ورواحهن، ويبعثن في الرجال الميل إلى الظرف والرشاقة؛ فأخذوا يحلقون لحاهم وخاصة في بيزنطية ورودس، حيث كانت القوانين تحرم هذا العمل وتعده تشبهاً بالنساء (٢٥). غير أن الجري وراء اللذات قد أنهك حياة الراشدين من أفراد الطبقات العليا. ولم تجد المشكلة القديمة مشكلة الآداب والقوانين الأخلاقية، وكيف يوفق الناس بين أبيقورية الفرد الفطرية ورواقية الدولة الضرورية، لم تجد هذه المشكلة حلاً لها في الدين، أو السياسة، أو الفلسفة.
وانتشر التعليم ولكن انتشاره كان رقيقاً غير عميق، فقد كان يفعل ما يفعله في جميع العصور التي كانت الغلبة فيها للعقل فيعنى بالمعارف أكثر مما يعنى بالأخلاق، ولذلك أخرج جماهير غفيرة من أنصاف المتعلمين الذين انتزعوا من العمل ومن الأرض، وأخذوا يطوفون وهم ساخطون حيث يجب أن لا يكونوا، كأنهم بضاعة سائبة في سفينة الدولة. وأنشأت بعض المدن مثل ميليطس ورودس مدارس عامة تنفق عليها الدولة، وكان الذكور والإناث