وانتشرت الخرافات والأوهام في الوقت الذي بلغ فيه العلم أوجه، وإن الصورة التي رسمها ثاوفراسطوس "للرجل المخرف" لتكشف عن رقة الغشاء الثقافي في حاضرة النور والفلسفة نفسها. فلقد كان العدد ٧ عدداً مقدساً إلى حد لا يصوره العقل؛ فكان ثمة سبعة كواكب سيارة، وسبعة أيام في الأسبوع، وسبع عجائب في العالم، وسبعة أعمار للإنسان، وسبع سماوات، وسبعة أبواب للجحيم. وانتعش علم التنجيم على أثر انتشار التجارة مع بابل، وكان من العقائد المسلم بها والتي لا تقبل الجدل أن النجوم آلهة تتصرف في مصائر الأفراد والدول صغيرها وكبيرها، وحتى خلق الإنسان كان يحدده الكوكب الذي ولد الإنسان في مطلعهِ، فيكون مرحاً إذا ولد والمشتري في السماء؛ أو نشطاً زواغاً، إذا كان فيها عطارد، أو نكداً إذا كان زحل (١). وحتى اليهود أنفسهم كانوا يعبرون عن الأماني الطيبة بقولهم: "مزول-توف Mazzol-Tof " " نرجو أن يكون كوكبك سعداً (٢٤) ". وكان علم الفلك يكافح في سبيل الحياة ضد التنجيم، ثم استسلم له آخر الأمر في القرن الثاني بعد الميلاد. وكان الناس في جميع أنحاء العالم الهلنستي يعبدون تيكي Tyche إله الفرص.
وليس في مقدور الإنسان أن يدرك عظيم الأثر الذي يحدثه في الأمة موت دينها التقليدي إلا إذا أوتي خيالاً قوياً لا يكل، أو قدرة فائقة على الملاحظة. لقد قامت الحضارة اليونانية القديمة على الإخلاص لدولة المدينة والتفاني في حبها، وكانت العقائد الخرافية من أقوى العوامل في تدعيم المبادئ الأخلاقية وإن كانت هذه المبادئ متأصلة في القصص الشعبي والمعارف الشعبية أكثر من تأصلها في العقيدة الدينية. لكن الرجل اليوناني المتعلم قد خسر في الوقت الذي نتحدث عنه دينه ووطنيته؛ ومحت الإمبراطوريات الحدود المدنية، وأضحت
(١) ويطلق على هذه الصفات بالإنجليزية Saturnine، Mercurial، Jovial على التوالي.