للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكهنة المصريون عن منشئ أول هرم من أهرام الجيزة فقال:

"وهم يقولون لي الآن أن العدالة ظلت توزع بالقسطاس، وأن الرخاء عم جميع أنحاء مصر إلى أيام حكم رحميسنتس؛ ثم حكم من بعده كيوبس فارتكب كل أنواع الخبائث؛ ذلك أنه أغلق جميع الهياكل … وسخر المصريين لخدمته وحده … فعين طائفة منهم لقطع الأحجار من المحاجر في جبال العرب ونقلها إلى النيل، وأمر طائفة أخرى باستقبال الحجارة بعد أن تنقل في النهر على سفن … وكان يعمل منهم مائة ألف في كل نوبة، وكل نوبة تعمل ثلاثة أشهر، وكل هؤلاء يكدحون عشر سنين في إنشاء الطريق الذي كانت تنقل عليه الحجارة، وهو عمل أرى أنه لا يقل مشقة عن تشييد الهرم نفسه (٢٩).

أما خفرع (١) خليفته على العرش ومنافسه في البناء فلدينا عنه معلومات مستقاة من الآثار نفسها. وذلك أن تمثاله المصنوع من حجر الديوريت والمحفوظ في متحف القاهرة يصوره لنا بالصورة التي يمثل بها خيالنا من أنشأ هذا الهرم الثاني وحكم مصر ستاً وخمسين سنة إن لم يكن بالصورة التي كان عليها فعلاً. فعلى رأسه الباشق رمز السلطة الملكية، ولو لم يكن هذا الباشق على رأسه لأدركنا من هيبته ومن كل جزء صغير من جسمه أنه ملك بحق (٢) فالتمثال يصوره إنساناً مزدهياً، صريحاً، جريئاً، ثاقب النظرات، أشم الأنف، قوياً في تحفظ وهدوء. ويتضح من صورته هذه أن الطبيعة قد عرفت من زمن طويل كيف تصوغ الرجال، وأن الفن قد عرف كيف يصورهم (٣).

ولم بنى هؤلاء الرجال الأهرام؟ لقد كان هدفهم الدين لا فن العمارة، فقد كانت الأهرام مقابر نشأت وتدرجت من القبور البدائية. ذلك أن الملك كان


(١) وهو الذي يسميه هيرودوت خفرن (وقد حكم بين ٣٠٦٨ و ٣٠١١ ق. م).
(٢) يردد المؤلف في هذا الوصف ما قاله مسبيرو عن هذا التمثال. (المترجم)
(٣) لعل اللفظ الأجنبي للهرم بيراميد مشتق من الكلمة المصرية بيروموس ومعناها ارتفاع لا من الكلمة اليونانية بير- ومعناها النار.