يعتقد كما يعتقد السوقة من شعبه أن في كل جسم حي تستقر قرينة- كا- لا تموت حتما إذا لفظ الجسم أنفاسه، وأن هذه القرينة يضمن بقائها بقاء كاملا إذا ما احتفظ بالجسم آمناً من الجوع والتمزيق والبلي. وكانت وسيلته للبقاء ومقاومة الموت هي الهرم لعلوه وضخامته وشكله وموقعه. وإذا نحن ضربنا صفحاً عن أركانه فقد كان شكله هو الشكل الطبيعي الذي تصير إليه طائفة متجانسة من المواد الصلبة إذا ما تركت تسقط على الأرض من غير أن يعوقها عائق ما. وإذ كان يقصد بها كذلك البقاء والخلود فقد وضعت الحجارة في صبر لا يكاد يطيقه إنسان كأنما هي قد علت من نفسها على جانب الطريق، ولم تقتطع وتنقل من محاجر تبعد عن مكانها الحالي مئات الأميال. ويتكون هرم خوفو من مليونين ونصف مليون من الكتل الحجرية التي يبلغ وزن بعضها مائة وخمسين طناً ومتوسط وزنها طنين ونصف طن، وتبلغ مساحة قاعدته أكثر من نصف مليون قدم مربعة، ويعلو في الهواء إلى ارتفاع ٤١١ قدماً. وحجارته مندمجة بعضها مع بعض ولم يترك بينها إلا موضع لبضع كتل ليكون طريقا سرياً تنقل فيه جثة الملك. ويرشد الدليل السائح الذي يسير مرتجفاً على أربع إلى الكهف الذي احتوى جثة الملك على ارتفاع مائة خطوة من القاعدة في قلب الهرم. وهناك في مكان رطب مظلم ساكن في أعماق ذلك الصرح لا يهتدي إليه إنسان استقرت فيما مضى من الأيام عظام الملك خوفو وزوجته، ولا يزال تابوت الملك المنحوت من الرخام مستقراً في مكانه، ولكنه محطم وفارغ لأن تلك الحجارة على ضخامتها لم تنج الجثة من اللصوص كما لم تنجها من جميع لعنات الآلهة.
ولما كانت القرينة في رأي المصريين الأقدمين صورة مصغرة للجسم نفسه فقد كان لابد من أن يقدم لها الطعام والكساء وما يلزمها من الخدمات بعد موت الجسد. ومن أجل هذا كانت تعد في بعض المقابر الملكية دورات مياه لتنتفع بها الروح بعد فراق الجسد، وتحتوي بعض النصوص الجنازية فقرات تعبر عن قلق