كاتبيها وخوفهم من أن تضطر القرينة إذا أعوزها الطعام إلى أن تطعم من فضلاتها (٣١). ومن الطبيعي أن يخطر بالبال أن عادات الدفن عند المصريين الأقدمين إذا ما تتبعناها إلى بدايتها قد تؤدي بنا إلى تلك العادة البدائية عادة دفن أسلحة المحارب وعدده مع جثته، أو إلى نظام شبيه بما كان يتبعه الهنود وهو دفن زوجات الرجل وعبيده معه لكي يقوموا على خدمته وقضاء حاجاته بعد موته. وإذ كان في اتباع هذه العادات كثير من المشقة على الأزواج والعبيد فقد عمد المصريون الأقدمون إلى استخدام الرسامين والمثالين لرسم الصور وحفر النقوش وصنع التماثيل الصغيرة التي تمثل الزوجات والعبيد. وقد جرت عاداتهم على أن ينقشوا عليها عبارات سحرية تبدل الصور والرسوم فتجعلها قادرة على أداء كل ما يحتاجه الميت من خدمات كأنها أجسام وأشياء حقيقية. ولعل أبناء الميت قد ركنوا إلى التكاسل والاقتصاد في النفقات فجنحوا إلى إهمال الواجبات التي كان الدين يفرضها عليهم في أول الأمر ومنها تقديم الطعام للميت حتى في الحالات التي وقف فيها من ثروته ما يفي بهذه النفقات. ومن أجل هذا كانت الصور المتخذة بديلاً من الحقائق احتياطا قائما على الحكمة وحسن التدبير، فقد كان في وسعها أن تمد قرينة الميت بالحقول الخصبة، والثيران الثمينة، والعدد الجم من الخدم والصناع النشطين بنفقة قليلة مغرية. ولما كشف المصريون عن هذا المبدأ أخذ الفنانون ينتجون الشيء الكثير من روائع الفن. ففي أحد القبور صورة لحقل يحرث؛ وفي قبر آخر ترى المحصول يحصد أو يدرس، وفي غيرهما ترى الخبز يسوى، وفي رابع ترى الثور يلقح البقرة، وفي غيره ترى العجل يولد، وفي آخر ترى الماشية التي كبرت تذبح، أو اللحم يقدم ساخناً في الصحاف (٣٢). ويمثل نقش جميل على حجر جيري عثر عليه في قبر الأمير راع حوتب الميت يستمتع بمختلف الأطعمة على مائدة مبسوطة أمامه (٣٣). لعمرك أن الفن لم يفعل للإنسان في عصر من العصور ما فعله لهؤلاء المصريين القدامى.