قد قضى في رومة أربعة عشر عاماً وهو في سن يكون فيها المرء سريع التأثر بما حوله، فقد تشرب فيها بحب الأنظمة الجمهورية؛ وكأنما أراد أن يستبق عهد أغسطس، فكان يسره ويوائم مزاجه وسياسته أن يخلع على سلطته الملكية المطلقة ستاراً من الحرية الجمهورية. وكان أهم آثار هيامه بكل ما هو روماني أن أدخل ألعاب المجالدين في أنطاكية عاصمة ملكه. واستاء الشعب من هذه الألعاب الوحشية، ولكن أنتيوخوس استرضاه بما أقام له من الاستعراضات الفخمة الرائعة وما أنفق عليها من أموال طائلة؛ فلما أن ألف الشعب مظاهر التقتيل عد انحطاطه هذا نصراً له. وكان من مميزاته أنه بدأ حياته رواقياً شديد التحمس للرواقية، ثم اختتمها بعد أن تحول في غير عناء إلى الأبيقورية. وكان يستمتع بصفاته هذه استمتاعاً بلغ من قدره أن نقش على النقود التي ضربت في أيامه "أنتيوخوس الإله البَيِّن Antiochus Iheos Epiphanes ". ولما أن عدا طوره كما يفعل أمثاله من ذوي الخيال، حاول في عام ١٦٩ أن يفتح مصر. وكاد يتم له مما أراد لولا أن أمرته رومة، وكانت هي الأخرى تتطلع إلى الاستيلاء على مصر، أن ينسحب من أرض إفريقية بأجمعها. وطلب أنتيوخوس أن يتاح له بعض الوقت ليفكر في أمره، ولكن بوبليوس رسول رومة رسم في الرمل دائرة حول أنتيوخوس وأمره أن يقطع برأي قبل أن يجتاز محيطها. فاستسلم وهو غاضب ثائر، ونهب هيكل أورشليم ليسترد ما أنفق في حملته من الأموال، وطلب المجد كما طلبه أبوه من قبل في شن الحرب على القبائل الشرقية، ومات في فارس وهو في طريقه إلى هذه القبائل من الصرع والجنون والمرض (٥).