نفسه على السكون فتورط في حرب أخرى في بلاد الشرق مات في أثنائها بعد أن حكم ستة وثلاثين عاماً.
وكان ابنه سلوقس الرابع ميالاً للسلم، صرف شؤون الدولة بالاقتصاد والحكمة، واغتيل في عام ١٧٥ ق. م. وكان أصغر ابنيه في ذلك الوقت أركونا في أثينة، حيث ذهب ليدرس الفلسفة. فلما سمع بموت سلوقس، جمع جيشاً زحف به على أنطاكية، وخلع قاتل أبيه، واعتلى العرش. وكان أنتيوخوس الرابع أجدر أفراد هذه الأسرة بالاهتمام وأكثرهم أخطاء؛ ذلك أنه كان مزيجاً نادراً من الذكاء والجنون، والجاذبية، وقد حكم مملكته حكماً حازماً رغم ما ارتكبه من مئات المظالم والسخافات. فقد أجاز لعماله أن يسيئوا استخدام سلطتهم، وأطلق يد عشيقته في ثلاث مدن؛ وكان كريماً وقاسياً لا يعتمد في أحكامه على عقل، يحكم ويصفح عن هوى، ويفاجئ البسطاء من أفراد الشعب؛ بالهدايا القيمة، ويلقي بالنقود على رؤوس الجماهير في الشوارع كما يفعل الأطفال المنتشون. وكان يحب الخمر والنساء والفنون؛ يفرط في الشراب، ويقوم من مجلسه في الولائم ليرقص عارياً مع أضيافه، أو يتعاطى نفايات الطعام والشراب. وكان رجلاً إباحياً شاءت الأقدار أن تحقق له ما كان يحلم به من سلطان. كان يحتقر وقار البلاط وزخرفه، ويمزح مزاحاً عملياً مع كبار رجال الدولة، ويتخفى ليستمتع بما يهيئه التخفي من الترف. وكان يسره أن يختلط بأفراد الشعب ليتعرف ما يقولونه عن الملك، وأن يتجول في أماكن الفنانين ليدرس أعمال الحفارين والصيّاغ ويناقشهم في التفاصيل الفنية لصناعتهم. وكان يشعر بحماسة صادقة للآداب والفنون والأفكار اليونانية، وبفضله ظلت أنطاكية مائة عام كاملة مركز الفنون في العالم اليوناني؛ وكان يجود بالمال بسخاء على الفنانين لينحتوا التماثيل ويشيدوا المعابد في غير أنطاكية من مدن هلاس، فأعاد تزيين ضريح أبلو في ديلوس، وشاد دار تمثيل لتيجيا، وتبرع بالأموال اللازمة لإتمام الأولمبيوم في أثينة. وإذ كان