رجال التشريفات ذوو الملابس المزركشة، والحلل الرسمية، والبخور والموسيقى؛ ولم يبقَ فيهِ شيء يوناني عدا الكلام والملابس الداخلية. ولم يكن الأشراف فيها زعماء شبه مستقلين كما كانت الحال في مقدونية وفي أوربا في العصور الوسطى، بل كانوا موظفين إداريين أو عسكريين يعينهم الملوك. وهذا النظام الملكي هو الذي انتقل من بلاد الفرس عن طريق السلوقيين والساسانيين إلى رومة في عهد دقلديانوس، وبيزنطية في عهد قسطنطين. وكان السلوقيون يعرفون أن سلطانهم في هذا المحيط الأجنبي إنما يعتمد على ولاء السكان اليونان، ولهذا بذلوا كل ما يستطيعون من جهد لإعادة المدن اليونانية القديمة وإنشاء مدن أخرى جديدة؛ فأنشأ سلوقس الأول تسع مدن باسم سلوقية وستاً باسم أنطاكية وخمساً باسم لأوديسيا، وثلاثاً باسم أباميا، وواحدة باسم أسترتونيس Stratonice، وحذا خلفاؤه حذوه بقدر ما وسعته جهودهم التي كانت أقل من جهوده. ونمت هذه المدن وتضاعف عددها كما حدث في أمريكا في القرن التاسع عشر.
وعن طريقهم أخذ غربي آسية يصطبغ بالصبغة اليونانية بخطى سريعة في ظاهر الأمر. ولا حاجة إلى القول بأن هذه العملية كانت قديمة العهد، فقد بدأت في أيام الهجرة الكبرى، وكان الانتشار الهلنستي من بعض نواحيهِ هو نهضة أيونيا من جديد وعودة الحضارة اليونانية إلى مواطنها الآسيوية القديمة، ولقد كان اليونان حتى قبل الإسكندر يشغلون مناصب رفيعة في الإمبراطورية الفارسية، كما كان التجار اليونان يسيطرون على المسالك التجارية في الشرق الأدنى القريب. أما الآن فإن الفرص السياسية والتجارية والفنية قد اجتذبت سيلاً جارفاً من المهاجرين المغامرين، والمستعمرين والكتبة، والجند والتجار، والأطباء، والعلماء، والسراري. وكان المثّالون والحفارون اليونان ينحتون التماثيل وينقشون النقود لملوك فينيقية، وليشيا، وكاريا، وصقلية، وبكتريا.