أخرى. لكن فلدلفس لم يكن مع هذا كله سعيداً في شيخوخته. فقد اشتد عليه داء النقرس، وزادت متاعبه بازدياد ثروته وسلطانه. وأطل مرة من نافذة قصره فأبصر متسولاً يرقد مستريحاً في الشمس على كثبان الميناء الرملية، فحسد الرجل على نعمته وقال متحسراً:"وا أسفاه! ليتني ولدت واحداً من هؤلاء (٤)! ". وساوره خوف الموت، فطلب إلى الكهنة المصرين أن يدلوه على إكسير الخلود السحري (٥).
ووسع المتحف والمكتبة وأنفق عليهما من المال ما جعل المؤرخين الذين جاءوا بعده يقولون إنه هو الذي أنشأهما. وكان دمتريوس فليرم قد لجأ إلى مصر في عام ٣٠٧ بعد أن طرد من أثينة، فإذا نحن نجده بعد عشر سنين من ذلك الوقت في بلاط بطليموس الأول؛ ويلوح أنه هو الذي أوحى إلى بطليموس سوتر أن عاصمة ملكه وأسرته تذيع شهرتهما إذا أنشأ متحفاً (أي بيتاً لربات الفنون والعلوم Muses (١)) يضارع جامعات أثينة. وأكبر الظن أن دمتريوس قد ألهم نشاط أرسطو في جميع الكتب، وضروب المعرفة، وأنواع الحيوان، والنبات، ودساتير الحكم، وتصنيف ما جمعه منها، فأشار على ما يظهر بأن تقام طائفة من المباني لا تتسع لإيواء مجموعة عظيمة من الكتب فحسب، بل تتسع فوق ذلك لإيواء العلماء الذين يقضون حياتهم في البحث العلمي. واقتنع بطليموس الأول والثاني بهذه الفكرة، فأمداه بالمال، وقامت الجامعة الجديدة على مهل بالقرب من القصور الملكية. وكانت تحتوي على ردهة عامة يلوح أن العلماء كانوا يتناولون فيها الطعام، وقاعة للمحاضرات، وبهواً، ورواقاً، وحديقة، ومرصداً فلكياً، والمكتبة الكبرى. وكان رئيس هذا المعهد كله من الناحية الرسمية كاهناً دينياً، كان مخصصاً لإلهات الفن بوصفها