ويقول عنهم هروداس Herodas إن "الإسكندرية هي بيت أفرديتي، وإن الإنسان ليجد فيها كل شيء-ثروة، وملاعب، وجيشاً كبيراً، وسماء صافية، ومعارض عامة، وفلاسفة، ومعادن ثمينة، وشباناً ظرفاء، وبيتاً ملكياً طيباً، ومجمعاً للعلوم، وخمر لذيذة، ونساء حساناً (٣٥) ". وكان شعراء الإسكندرية قد أخذوا يكشفون ما للعذارى من قيمة أدبية، وسرعان ما جعلهن كتابها القصصيون موضوعاً لكثير من قصصهم، كما جعلوا سقوطهن خاتمة تنتهي بها هذه القصص. غير أن المدينة قد اشتهرت في ذلك الوقت بسماحة نسائها وبكثرة ما فيها من فتيات المتعة، حتى لقد شكا بولبيوس من أن أجمل البيوت الخاصة في الإسكندرية تمتلكها العاهرات (٣٦). وكانت النساء من مختلف الطبقات يسرن بكامل حريتهن في الشوارع، ويبتعن حوائجهن من الحوانيت، ويختلطن بالرجال. وكان منهن أديبات وعالمات مشهورات (٣٧). وكانت الملكات المقدونيات وسيدات بلاطهن من أريسينوئي زوجة بطليموس الثاني إلى كليوبطرة يقمن بدور هام في الشؤون السياسية، ويقترفن جرائمهن خدمة للأغراض السياسية لا للحب، ولكنهن قد احتفظن بما يكفي من الجمال والفتنة لإثارة الرجال لأعمال من الشهامة والبطولة لا مثيل لها من قبل، في عالم الشعر والنثر على الأقل إن لم يكن في واقع الأمر، وقد أدخلن في مجتمعات الإسكندرية عنصراً من الظرف والرشاقة النسوية لم يكن معروفاً في بلاد اليونان أيام مجدها.
والراجح أن نحو خُمس سكان الإسكندرية كان وقتئذ من اليهود. ولقد كان في مصر منذ القرن السابع قبل الميلاد مواطن للعبرانيين، ثم قدم إليها كثيرون من تجار اليهود في أعقاب الفتح الفارسي؛ وكان الإسكندر قد حثهم على الهجرة إليها وعرض عليهم، كما يقول يوسفوس، أن يكن لهم ما لليونان من حقوق سياسية واقتصادية (٣٨). وجاء بطليموس الأول بعد استيلائه على أورشليم بآلاف من الأسرى اليهود الذين أطلق خلفه سراحهم (٣٩)، ثم دعا