في الوقت نفسه كثيراً من أثرياء العبرانيين إلى الإقامة فيها ومزاولة الأعمال التجارية والمالية (٤٠). ولم يكد يستهل القرن الأول الميلادي حتى بلغ عدد اليهود في مصر مليوناً من الأنفس (٤١)، يعيش عدد كبير منهم في حي اليهود من العاصمة. ولكنهم لم يكونوا مرغمين على الإقامة في هذا الحي، بل كان لهم مطلق الحرية في الإقامة في أي حي من أحيائها عدا البروكيوم Brucheum الذي كان مقصوراً على أسر الموظفين ومن يخدمونهم. وكانوا يختارون لأنفسهم مجلس كبرائهم، ويمارسون شعائر دينهم، وقد أقام أنياس Anias حاخامهم الأكبر في عام ١٦٩ هيكلاً عظيماً في ليونتبوليس Leontopolis إحدى ضواحي الإسكندرية، وخصص صديقه بطليموس السادس إيراد عين شمس للإنفاق على هذا الهيكل. وكان هذا الهيكل وأمثاله مدارس وأمكنة اجتماع كما كانت معابد دينية، ومن ثم أطلق عليها من يتكلمون اللغة اليونانية من اليهود اسم سيناجوجاي أي أمكنة الاجتماع. وإذ لم يكن في مصر من بين اليهود المصريين بعد الجيل الثاني أو الثالث إلا أقلية ضئيلة تعرف اللغة العبرية، فإن قراءة الشريعة كان يتلوها شرح لها باللغة اليونانية، ومن هذه الشروح والتطبيقات نشأت عادة قراءة المواعظ من نصوص مكتوبة، كما نشأت من هذه الشعيرة الدينية أولى أشكال القداس الكاثوليكي (٤٢).
ونشأت من هذه الفوارق الدينية والعنصرية مضافة إلى المنافسات الاقتصادية حركة مناهضة للسامية في أواخر ذلك العصر. ذلك أن المصريين واليونان قد اعتادوا جميعاً وحدة الدين والدولة، ولم يكن يرضيهم استقلال اليهود الثقافي عن سائر أهل البلاد. يضاف إلى هذا أن منافسة الصانع ورجل الأعمال اليهودي كانت ثقيلة الوطأة عليهم، ولم يكونوا يُطيقون نشاطه وصبره وحذقه؛ ولما أن أخذت رومة تستورد الحبوب من مصر كان تجار الإسكندرية اليهود هم الذين ينقلون هذه البضاعة في أساطيلهم (٤٢ أ). وأدرك اليونان عجزهم عن صبغ