اليهود بالصبغة الإغريقية، فأوجسوا خيفة على مستقبلهم في دولة تستمسك الكثرة الغالبة من أهلها بشرقيتها وتتكاثر بسرعة كبيرة. ونسي اليونان تشريع بركليز، فأخذوا يشكون من أن الشريعة اليهودية تحرم التزاوج بينهم وبين أهل الأديان الأخرى، ومن أن معظم اليهود لا يختلطون بغيرهم. وكثرت الكتب والرسائل المناهضة للسامية، ونشر مانيثون المؤرخ المصري القصة القائلة بأن اليهود قد أخرجوا من مصر من عدة قرون لأنهم أصيبوا بداء الخنازير أو الجذام (٤٣)، واشتدت الأحقاد من كلا الجانبين حتى أدت في القرن الأول الميلادي إلى أعمال العنف المخربة.
وبذل اليهود غاية جهدهم لتخفيف حدة الغضب من عزلتهم الاجتماعية ونجاحهم في أعمالهم المالية والتجارية، فأخذوا يتكلمون اللغة اليونانية، وإن ظلوا متمسكين بدينهم، كما أخذوا يدرسون الآداب اليونانية ويكتبون فيها، ويترجمون كتبهم المقدسة وتواريخهم إلى اللغة اليونانية. ثم سعوا إلى تعريف اليونان بالتقاليد الديني اليهودية وتمكين اليهودي الذي لا يعرف العبرية من قراءة كتبه المقدسة، فقامت طائفة من علماء اليهود بالإسكندرية، في عهد بطليموس الثاني على الأرجح، تترجم التوراة العبرية إلى اللغة اليونانية. وسُر الملوك من ذلك العمل لأنهم كانوا يرجون أن تؤدي هذه الحركة إلى جعل يهود مصر أكثر استقلالاً عن أورشليم مما كانوا حتى ذلك الوقت، وأن يقل تسرب الأموال اليهودية-المصرية إلى فلسطين. وتقص إحدى القصص الخرافية كيف دعا بطليموس فلدلفس، عملاً بمشورة دمتريوس الفاليري، سبعين عالماً من علماء اليهود إلى المجيء من بلادهم في فلسطين في سنة ٢٥٠، وكلفهم بترجمة كتبهم المقدسة، وكيف أسكن الملك كل واحد من هؤلاء العلماء في حجرة خاصة بجزيرة فاروس، ولم يسمح له بالاتصال بأحد من الناس حتى فرغ كل منهم من ترجمة أسفار موسى الخمسة؛ فلما فرغ السبعون من ترجماتهم وجدها تتفق