وحكم مصر بيبى الثاني أحد هؤلاء الفراعنة أربعاً وتسعين سنة "٢٧٣٨ - ٢٦٤٤ ق. م" وحكمه هذا أطول حكم في التاريخ كله. فلما مات عمت الفوضى البلاد وأدت إلى الانحلال وخسر خلفه عرشه. وحكم أمراء الإقطاع المقاطعات حكماً مستقلاً. وهذا التعاقب بين السلطة المركزية وغير المركزية من الظواهر التاريخية التي تتوالى بانتظام، كأن الناس يملون الحرية المفرطة تارة والنظام المسرف تارة أخرى. وطغى على البلاد "عصر مظلم" سادته الفوضى أربعة قرون، ثم قام بعدها رجل قوي الإرادة شبيه بشارلمان في عصور أوربا المظلمة، فقبض بيد من حديد على زمام الأمور، وأعاد النظام إلى البلاد، ونقل العاصمة من منف إلى طيبة، وتسمى باسم أمينمحيت الأول، وأسس الأسرة الثانية عشرة. وفي عهد هذه الأسرة ازدهرت الفنون جميعها- مع جواز استثناء فن العمارة- وبلغت من الإتقان درجة لم تبلغها فيما نعرفه من تاريخ مصر قبل هذه الأسرة أو بعدها. ويتحدث إلينا أمينمحيت في أحد النقوش القديمة بقوله:
كنت رجلاً زرع البذور وأحب إله الحصاد؛
وحياتي في النيل وكل وديانه؛
ولم يكن في أيامي جائع ولا ظمآن؛
وعاش الناس في سلام بفضل ما عملت وتحدثوا عني.
وكان جزاؤه أن ائتمر عليه من أعلا شأنهم ووضعهم في المراكز السامية من الوزراء والمستشارين. وقضى أمينمحيت على هذه المؤامرة، وبطش بالمتآمرين ولكنه خلف لابنه- كما فعل بولونيوس من بعده- ملفاً من الأوراق يحوي نصيحة مرة، هي في واقع أمرها قاعدة عجيبة للحكم المطلق ولكنها ثمن باهظ يبتاع به الملك عرشه:
= ويشمل الأسرة السادسة والعشرين "٦٦٣ - ٥٢٥ ق. م" وكل التواريخ الواردة هنا ما عدا الأخير منها تواريخ تقريبية. ويجد علماء الآثار بعض التسلية في تأخير هذه التواريخ أو تقديمها عدة قرون.