بجيلين. وكان يسوع بن سيراك هذا عالماً ورجلاً من رجال الأعمال، رأى بعض أحوال العالم في خلال أسفاره ثم استقر في بلده واتخذ منزله مدرسة للطلاب، وألقى عليهم هذه الأحاديث يبين لهم فيها حكمة الحياة (١٣). وهو يندد فيها بأغنياء اليهود الذين خرجوا على دينهم ليكون لهم شأن في عالم الكفار؛ ويحذر الشبان من العاهرات والواقفات لهم بالمرصاد في كل مكان، ويعرض عليهم شريعة موسى ويصفها بأنها لا تزال خير هادٍ لهم وسط شرور العالم ومزالقه. ولكنه ليس بالرجل المتزمت في دينه فلا ينحو نحو "المتقين" بل يجد كلمة طيبة يقولها ليدخل بها السرور البريء على قلب محدثه، وهو يندد بالمتصوفين الذين يرفضون الدواء بحجة أن المرض مرسل من عند الله، وأنه لذلك لا يشفيه إلا الله وحده. والكتاب مليء بالحكم أشهرها كلها الحكمة التي تجمع بين الطفل والعصا. ويقول رينان Renan إن "السياط التي يبررها ضاربوها بهذه الحكمة ليُخطئها الحصر بلا ريب (١٤) ". والحق أن هذا السفر العظيم وأنه أكثر حكمة ورأفة من سفر الجامعة.
وقد ورد في الإصحاح الرابع والعشرين من سفر الحكمة أن "الحكمة أول ما أوجده الله، فقد خلقها من بداية العالم". وفي هذه الإصحاح وفي الإصحاح الأول من سفر الأمثال نجد أقدم صورة من صور نظرية "الكلمة"-أي الحكمة-بوصفها خالقاً وسطاً عهد إليها الله تنظيم العالم. وتشخيص الحكمة بهذه الصورة أي جعلها ذكاءً مجسداً يصبح من المبادئ الرئيسية ذات الشأن في الدين اليهودي خلال القرون السابقة لظهور المسيح مباشرة. وإلى جانب هذا ترى فكرة الخلود الشخصي تزداد وضوحاً شيئاً فشيئاً. وفي كتاب أخنوخ الذي كتبه على ما يظهر عدد من الكتاب المختلفين في فلسطين بين عامي ١٧٠، ٦٦ قبل الميلاد يصبح الأمل في ملكوت السماوات حاجة أساسية؛ وسبب ذلك أن ما يناله الأشرار من خير وفلاح وما يلقاه الأتقياء والصالحون والأوفياء من سوء المصير لم يعد يُستطاع تحمله إلا إذا عمرت صدور الناس