تعتقد أن الله هو الكلمة، وهم لا يقصدون بها الكلام المنطوق بل يقصدون حديث العقل" (٢٩). وهنا أيضاً نجد عقيدة الكلمة التي قُدر لها أن تكون ذات أثر عميق في الدين المسيحي. وقام تيماوس الترومنيومي Timoeus of Tauromenium بعد أن نفاه أجثكليز Agathocles من صقلية (٣١٧) برحلات واسعة في أسبانيا وغالة، ثم ألقى عصا التسيار في أثينة وكتب فيها كتاباً عن صقلية وعن الغرب. وكان طالباً مجداً، بلغ من حرصه على أن يدون في كتابه هذا كل شيء أن لقبه بعض منافسيه "جامع الأسمال العجوز"(٣٠). وقد بذل غاية جهده في أن يصل إلى تواريخ صحيحة للحوادث التي رواها، حتى عثر على طريقة تأريخ هذه الحوادث بدورات الألعاب الأولمبية. وكان شديد النقد لمن سبقع من المؤرخين، وكان من حسن حظه أن مات قبل أن يشهد هجوم بولبيوس الوحشي على كتابهِ (٣١).
وأعظم المؤرخين في العصر الهلنستي واليوناني، والمؤرخ الوحيد الخليق بأن يوضع إلى جانب هيرودوت وتوكيديدس، هو بولبيوس. وكان مولده في أركاديا عام ٢٠٨. وكان والده ليكورتاس Lycortas أحد زعماء العصبة الآخية، فقد اختير في مهمة سياسية في رومة عام ١٨٩، وعين استرتيموس في عام ١٨٤. ونشأ ابنه في الجو السياسي، ودُرب للجندية بإشراف فيلوبيمين، واشترك في حروب الرومان ضد الغاليين في آسية الصغرى، وسافر مع والده في بعثة سياسية إلى مصر (٢٨٠)، واختير ليكون قائد فرسان العصبة الآخية (هباركوس Hipparchos) في عام ١٦٩ (٣٢). ولكن تفوقه هذا قد جر عليه كثيراً من المتاعب: ذلك أنه حين أراد الرومان أن يعاقبوا العصبة الآخية لتأييدها برسوس ضدهم أخذوا ألفاً من زعماء الآخيين رهائن إلى رومة، وكان منهم بولبيوس (١٦٧). وظل في المنفى ستة عشر عاماً يعاني فيها آلام النفي، ومنها كما يقول هو نفسه "ضياع الروح المعنوية والشلل العقلي الذي بلغ أقصى حد"(٣٣). ولكن سبيو الأصغر بذل له مودته، وضمه إلى الدائرة السبيونية التي كانت تشمل الرومان المتعلمين، وأقنع مجلس الشيوخ