للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حين كان يشتت غيره من المنفيين في أنحاء إيطاليا، أن يسمح بأن يعيش بولبيوس معه في رومة. ورافق سبيو في كثير من الوقائع الحربية، وأسدى إليه نصائح عسكرية قيمة، وارتاد له سواحل أسبانيا وأفريقية، ووقف إلى جانبه حين أحرق رومة (١٤٦). وكان قبل ذلك قد نال حريته في عام ١٥١، واختير في عام ١٤٩ ليمثل رومة في تنظيم الوفاق الذي تم بين المدن اليونانية وبين مجلس الشيوخ الروماني، سيدها البعيد عنها. وما من شك في أنه قد قام بهذا الواجب البغيض على خير وجه، لأن كثيراً من المدن كرمته بإقامة أنصاب تذكارية له، وإن لم يكن في وسع الإنسان أن يعرف متى يشعر الناس بفضل أحد عليهم. وبعد أن عاش بولبيوس ستين عاماً في جد متواصل اعتزل هذا النوع من العمل ليكتب كتبه الثلاثة: رسالة في الفنون العسكرية، وحياة فيلوبيمين، وكتاب التواريخ الضخم. ومات كما يموت السادة الأشراف، فقد سقط عن ظهر جواده وهو عائد من رحلة صيد، بعد أن بلغ الثانية والثمانين من العمر.

ولسنا نعرف قط رجلاً كتب التاريخ مستنداً إلى أوسع مما استند إليه بولبيوس من علم، وأسفار، وتجارب. وكانت الخطة التي وضعها لكتابه خطة واسعة النطاق، فلم يكن يقصد أن يكتب تاريخ بلاد اليونان فحسب، بل كان يبغي كتابة تاريخ "العالم كله" (أي أمم البحر الأبيض المتوسط) من عام ٢٢١ إلى ١٤٦ ق. م. "تلك هي الخطة التي وضعتها، ولكن كل شيء يتوقف على ما تحبوني به الأقدار من حياة تطول حتى أخرجها إلى حيز الوجود" (٣٤). وكان يشعر بحق أن رومة هي مركز دائرة التاريخ السياسي في الفترة التي يريد أن يؤرخها، ولهذا أسبغ على كتابه وحدة جامعة إذ جعل رومة محور حوادثه، ودرس بتشوف الرجل الدبلوماسي الوسائل التي استخدمتها رومة، والتي تدعي كما يدعي البريطانيون أن الظروف هي التي ساقتها لها على غير قصد منها، للسيطرة على عالم البحر الأبيض المتوسط (٣٥). وكان شديد الإعجاب