بالرومان، لأنه شاهدهم في عصر مجدهم، ولأن أكثر من عرفهم منهم هم خيرهم في جماعة سبيو. وكان يشعر أنهم يتصفون بتلك الصفات التي لا توجد في الخُلُق ولا في الحكم اليوناني، والتي كان عدم وجودها في اليونان سبباً في القضاء عليهم. وإذ كان هو من أبناء الأشراف وكان صديقاً للأشراف، فإنه لم يعطف قط على المراحل المتأخرة من الديمقراطية اليونانية التي لم تكن في رأيه غير حكم الغوغاء. وكان التاريخ السياسي يبدو له دورة متكررة من الملكية المطلقة (أو الدكتاتورية)، والأرستقراطية، والألجركية، والديمقراطية، ثم الملكية المطلقة مرة أخرى. وكانت خير طريقة في رأيه للنجاة من هذه الدورة هي طريق "الدستور المختلط" الشبيهة بدستور ليقورغ أو دستور رومة-وهو الذي يقضي بوجود مواطنين يستمتعون بحقوق سياسية ولكنها حقوق محدودة، ويختارون كبار الموظفين، ولكن سلطانهم يحدده سلطان مجلس الشيوخ الأرستقراطي الدائم (٣٦). وكانت هذه النظرة هي التي اهتدى بها في كتابه تاريخ عصره.
وبولبيوس هو "مؤرخ المؤرخين" لأنه يهتم بطريقته كما يهتم بموضوعه. وهو يميل إلى التحدث عن الخطة التي يسير عليها، ويعمد إلى التفلسف في كل فرصة تتاح له. وهو يصور مؤهلاته على أنها خير المؤهلات ومثلها الأعلى، ويصر على أن التاريخ ينبغي أن يكتبه أولئك الذين رأوا بأعينهم-أو استشاروا غيرهم ممن رأوا بأعينهم-ما يصفونه من الحوادث. يندد بتيماوس لأنه اعتمد على أذنيه بدل اعتماده على عينه، ويتحدث بفخر وإعجاب عن أسفاره في البحث عن المعلومات، والوثائق، والحقائق الجغرافية، ويذكر لنا كيف اخترق جبال الألب وهو عائد من أسبانيا إلى إيطاليا من نفس الممر الذي اخترقه هنيبال في بروتيوم (٣٧). ويقول إنه يعتزم أن يجعل تاريخه دقيقاً بقدر ما تسمح به "ضخامة عمله، والطريقة الشاملة التي عالجه بها"(٣٨). وهو في تاريخه رجل عقلي النزعة واقعيها، ينفذ فكره في ألفاظ الدبلوماسيين