للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأخلاقية ليعرف ما تهدف إليه خططهم من اعتراضات حقيقية، ويسره أن يدرك كيف يخدع الناس بسهولة أفراداً كانوا أو جماعات، ويُخدعون أكثر من مرة، بنفس الحيل والأساليب التي خُدعوا بها من قبل (٤٠). ويقول في عبارة شائقة استبق بها مبادئ مكيفلي: "قلما يتفق العمل الخير مع العمل النافع، وما أقل من يستطيعون الجمع بين العملين والتوفيق بينهما" (٤١). وهو يقبل عقيدة الرواقيين الدينية التي تقول بوجود قوة إلهية مدبرة ولكنه يعطف مجرد عطف على الطقوس الدينية السائدة في عصره، ويسخر ضاحكاً من عقيدة تدخل القوى غير الطبيعية في شؤون العالم (٤٢). ويعترف بما للمصادفات من شأن في التاريخ، وما لعظماء الرجال من أثر فعال في بعض الأحيان، ولكنه لا يتردد في أن يكشف عن تسلسل العلل والمعلولات تسلسلاً حقيقياً خارجاً في كثير من الأحيان عن إرادة الآدميين، وبذلك يكون التاريخ مصباحاً مضيئاً للعقول في الحاضر والماضي (٤٤). "ليس شيء أسرع تصحيحاً لسلوك الناس من معرفة الماضي" و "خير تعليم وإعداد للحياة السياسية النشيطة هو دراسة التاريخ" (٤٥)؛ "والتاريخ، والتاريخ وحده، هو الذي ينضج عقولنا، ويهيئنا للنظر إلى الأشياء نظرة صحيحة مهما تكن الأزمات أو سير الحوادث" (٤٦). وهو يرى أن خير طريقة لفهم التاريخ هي أن ينظر إلى حياة الأمة على أنها وحدة عضوية، ثم تضم قصة كل جزء من أجزائها إلى تاريخ حياة الأمة بأجمعه. والذي يعتقد أنه إذا درس التواريخ منفصلة بعضها عن بعض يستطيع أن ينظر نظرة صحيحة إلى التاريخ بأجمعه ليشبه في رأيي ذلك الرجل الذي نظر إلى أطراف حيوان كان من قبل حياً وجميلاً، ثم يتصور أنه كمن شاهد بعينه الحيوان نفسه في جميع حركاته وأدرك ما فيها من رشاقة وجمال (٤٧).

وقد أبقى الدهر على خمسة من الكتب التي قسم إليها بولبيوس تواريخه، وأنجى المختصرون قطعاً متفرقة قيمة من الكتب الباقية. ومما يؤسف له أشد