فسواها بالأرض وناصبها العداء بلا تفريق بين بعضها والبعض الأخر. غير أننا نستدل من الأدب ومن آثارها، على أن فن العمارة اليوناني أنتشر في هذا العصر من بكتريا إلى أسبانيا. ولقد نشأ من التأثير المتبادل بين بلاد اليونان والشرق خليط من الأنماط: فغزت الأروقة المعمدة والعرضة الراكزة داخل آسية، ودخلت الأقواس والعقود والقباء بلاد الغرب. ففي ديلوس نفسها، وهي المركز اليوناني القديم، قامت تيجان العمد المصرية والفارسية. وقد بدا الطراز الدوري جامداً كئيباً في عصر أولع بالرقة والزينة، ولهذا أخذ يختفي من مدينة إثر مدينة، في الوقت الذي أخذ فيه الطراز الكورنثي المزخرف يرقى حتى بلغ ذروته. وكانت النزعة الدنيوية في الفن تجاري في سرعة تقدمها النزعة الدنيوية في نظام الحكم، وفي الشرائع والأخلاق، والآداب، والفلسفة؛ وأخذت العمد المقامة حول البيوت، والمداخل الواسعة، والأسواق، ودور القضاء، وقاعات الجمعيات الوطنية، ودور الكتب والتمثيل، ومدارس التدريب الرياضي، والحمامات، أخذت هذه العمد تحل محل المعابد؛ وكانت قصور الملوك والأفراد ميداناً جديداً ظهر فيهِ فن التخطيط والزخرف اليوناني. وصارت مداخل البيوت تزدان بالرسوم، والتماثيل، والنقوش على الجدران، كما أخذت الحدائق الخاصة تحيط بالبيوت الواسعة الفخمة. وأنشئت للملوك بساتين وحدائق، وبحيرات، وسرادقات في حواضر البلاد، وكانت تفتح عادة للجماهير. وتطور فن تخطيط المدن ليجاري فن العمارة، فخططت الشوارع على طراز هبودامس Hippodamus الرباعي، وكان منها شوارع رئيسية لا يقل عرضها غن ثلاثين قدماً-وهو عرض يتناسب مع الخيل والمركبات التي كانت وسائل النقل في تلك الأيام. وكانت مدينة أزمير تزهو بشوارعها المرصوفة (٦)، ولكن لأكبر الظن أن معظم شوارع المدن الهلنستية كانت أرضاً معبدة تعرف مساوئ التراب والطين.
وكثرت المباني الجميلة كثرة لم يكن لها مثيل من قبل؛ ففي أثينة شيدت في