للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجاله من المشقة في رفع سفينة كبيرة من سفن الأسطول الملكي إلى شاطئ البحر. فما كان من أركميديز إلا أن وضع عدداً من الأضراس والبكر بطريقة أمكنته بمفرده وهو جالس عند نهاية هذا الجهاز أن يرفع السفينة الكاملة الشحنة من الماء إلى الأرض (١٠).

وسر الملك من هذا العمل فطلب إلى أركميديز أن يضع له تصميمات لبعض عدد الحرب، وكان من غريب صفات الرجلين أن أركميديز بعد أن وضع هذه التصميمات نسيها، وأن هيرون لحبه السلم لم يستخدمها. وقد وصف فلوطرخس أركميديز فقال:

"إنه بلغ من علو الهمة وعمق التفكير، وغزارة المادة العلمية ما سما به عن أن يترك وراءه أي شيء مكتوب في هذه الموضوعات، وإن كانت هذه الاختراعات قد أذاعت في الخافقين ذكاءه العظيم الذي لا نظير له بين الخلائق طراً. فقد نبذ كل فن لا غاية له إلا النفع والكسب المادي وعده فناً دنيئاً حقيراً، وخص حبه كله وآماله كلها في تلك المباحث العلمية الخالصة التي لا صلة بنها وبين مطالب الحياة الوضيعة- وهي تلك الدراسات التي لا يشك إنسان في سموها على سائر الدراسات، بل كل ما يشك فيهِ هو هل جمال الموضوعات التي تبحثها وعظمتها، أو دقة طرق البرهنة على صحتها وقوة الاقتناع بها، هي أعظم الأشياء جدارة بإعجابنا".

ولما أن مات هيرون قام النزاع بين سرقوسة ورومة، وهاجمها مارسلس الباسل براً وبحراً. وكان أركميديز وقتئذ (٢١٢) في السابعة والخمسين من عمرهِ ولكنه مع هذا أشرف على الدفاع في الجبهتين، فأقام خلف الأسوار التي تحمي الميناء منجنيقات تقوى على قذف الحجارة الثقيلة مسافات بعيدة. وكان وابل القذائف التي تلقيها هذه المنجنيقات شديد الوقع فاضطر مارسلس إلى التقهقر حتى يفاجئ المدينة ليلاً. فلما أن أبصر أهلها سفن العدو قرب الشاطئ أمطر الرماة بحارتها وابلاً من السهام من بين الثقوب التي صنعها أعوان أركميديز في الأسوار. وفضلاً عن هذا فقد وضع المخترع العظيم في داخل