هدى هذه الفلسفة النصف الهندية، فخضع لعادات إليس وعبادتها، ولم يبذل جهداً ما في تجنب الأخطار أو إطالة حياته (٩)، ومات في سن التسعين. وأحبه مواطنوه ورضوا عنه وكرموه بأن أعفوا زملائه الفلاسفة من الضرائب.
وكان من سخريات الأيام أن أتباع أفلاطون هم الذين وجهوا هذه الحملة على الميتافيزيقا. ذلك أن أرسسلوس الذي أصبح في عام ٢٦٩ رئيس "المجمع العلمي الأوسط" حول رفض أفلاطون للمعلومات المستمدة من الحواس إلى تشكك كامل يضارع في ذلك تشكك ديون، ولعلهم فعلوا ذلك بتأثير بيرون نفسه. ومن أقوال أرسسلوس في هذا المعنى:"لا شيء مؤكد، حتى ذلك القول نفسه (١١) ". ولما قيل له إن هذه العقيدة تجعل الحياة مستحيلة قال إن الحياة قد عرفت من زمن بعيد كيف تدبر أمرها بالاحتمالات. وقام على رأس "المجمع العلمي الجديد" بعد قرن من الزمان رجل كان أكثر تشككاً من أرسسلوس، وأوصل عقيدة التشكك العام إلى العدمية الذهنية والأخلاقية، ونعني بذلك الرجل قرنيادس القوريني Carneades of Cyrene. فقد جاء هذا الأبلار (١) اليوناني إلى أثينة حوالي عام ١٩٣، ونغص الحياة على كريسبوس Chrysippus وغيره من معلميه، بحججه الدقيقة المؤلمة ضد كل عقيدة يعلمونها. وإذ كانوا يبغون أن يجعلوه عالماً منطقياً، فقد اعتاد أن يقول لهم موجهاً قوله إلى بروتاغوراس:"إذا كان منطقي صحيحاً فبها ونعمت، وإذا كان خطأ فأعيدوا إلي ما أديته من الأجر لتعليمي (١٢) ". ولما أنشأ لنفسهِ حانوتاً كان يحاضر في صباح يوم ما فيحبذ رأياً من الآراء، وفي اليوم التالي يحبذ نقيضه، ويبرهن على صحة كليهما بحيث يقضي عليهما جميعاً، بينما كان تلاميذه، وكاتب سيرته نفسه، يحاولون عبثاً أن يعرفوا آراءه الحقيقية. وأخذ على عاتقهِ أن يفند واقعية الرواقيين المادية ببحثهِ التحليلي الأفلاطوني- الكانتي في الحواس والعقل.
(١) بيبر أبلار Pierre Abelard الفيلسوف الفرنسي ١٠٧٩ - ١١٤٢. (المترجم)