للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزاحف على الهند، وتلقى العلم على "من فيها من" السوفسطائيين العراة Gmnosophists، ولعله أخذ عنهم بعض آرائهم عن التشكك الذي صار اسمه مرادفاً له في ما بعد. ولما عاد إلى إليس عاش فقيراً يعلم الناس الفلسفة. وقد منعه الحياء من تأليف الكتب، ولكن تلميذه تيمن الفليوسي Timon of Phlius نشر آراء بيرون في أنحاء العالم في سلسلة من رسائل الهجاء (Silloli) . وكانت هذه الآراء تقوم على قواعد رئيسية أولها: أن الحقيقة لا يمكن الوصول إليها، وأن الرجل العاقل يرجئ حكمه، ويبحث عن الطمأنينة لا عن الحقيقة؛ وأنه لما كانت كل النظريات خاطئة في أغلب الظن فإن من الخير للإنسان أن يقبل أساطير زمانه ومكانه وما جرى به العرف فيهما. وثانيتهما أن ليس في مقدور الحواس والعقل أن تمدنا بعلم أكيد: فالحواس تشوه الشيء الخارجي حين تحسه، وليس العقل إلا خادم الشهوات المخالط المخادع. وكل قياس منطقي يصادر على المحمول لأن قضيته الكبرى تفترض صحة النتيجة. "وكل علة لها علة تقابلها وتناقضها (٨) "؛ والتجربة الواحدة قد تكون سارة حسب الظروف المحيطة بها ومزاج صاحبها؛ والشيء الواحد قد يبدو صغيراً أو كبيراً، قبيحاً أو جميلاً؛ والعمل الواحد قد يُعد فضيلة أو رذيلة حسب المكان والزمان الذين نعيش فيهما؛ والآلهة نفسها قد تكون وقد لا تكون حسب اعتقاد أمم الخلائق المختلفة؛ وكل شيء هو رأي، ولا شيء قط حقيقي كل الحق- فمن الحمق إذن أن ينحاز الإنسان في المنازعات إلى هذا الجانب أو ذاك، أو أن يبحث له عن مكان آخر يعيش فيهِ أو طريقة أخرى يعيش بها، أو أن يحسد المستقبل أو الماضي؛ فالرغبات كلها خداع باطل. وحتى الحياة نفسها خير غير مؤكد، والموت نفسه ليس شراً مؤكداً، والواجب على الإنسان أن لا يتحيز ضد هذا الشيء وذاك. وثالثة هذه القواعد أن أفضل الأشياء جميعاً للإنسان أن يقبل الحياة كما هي في هدوء واطمئنان، فلا يحاول إصلاح العالم، بل يرضى به وهو صابر عليه، ولا ينهمك في العمل على تقدمه، بل يقنع بالسلام. وحاول بيرون مخلصاً أن يسير في حياته على