أو تعمل إلا بواسطة الجسم، وتموت بموتهِ. ولكن علينا بالرغم من هذا كله أن نقبل ما ندركه إدراكاً مباشراً من أننا أحرار فيما نريد، وإلا كنا ألاعيب على مسرح الحياة لا قيمة لها ولا معنى لوجودها. وخير لنا أن نكون عبيداً للآلهة التي يقول بها الخلق، من أن نكون عبيداً للأقدار التي يقول بها الفلاسفة (٢٣).
على أن وظيفة الفلسفة الحقيقية ليست هي تفسير العالم، لأن الجزء لا يستطيع قط أن يفسر الكل، بل وظيفتها أن تهدينا بحثنا عن السعادة. "وليس الذي نضعه نصب أعيننا هو مجموعة من النظم والآراء التي لا جدوى منها، بل الذي يجب علينا أن نعنى به هو الحياة المبرأة من كل نوع من أنواع الجزع والاضطراب (٢٤) ". وقد كتبت على مدخل حديقة أبيقور تلك الخرافة الجذابة "أيها الزائر، ستكون هنا سعيداً، لأن السعادة هنا تعد أعظم خير"؛ وليست الفضيلة في هذه الفلسفة غاية في ذاتها، بل هي وسيلة لا بد منها للوصول إلى الحياة السعيدة (٢٥). وليس في وسع الإنسان أن يحيا حياة سارة من غير أن يحيا حياة تتصف بالفطنة، والشرف والعدالة؛ وليس في وسعه أن يحيا حياة متصفة بالفطنة والشرف والعدالة من غير أن يحيا حياة سارة (٢٦)". وليس في الفلسفة إلا قضيتان اثنتان مؤكدتان، وهما أن اللذة خير، وأن الألم شر؛ والملاذ الجنسية في ذاتها مشروعة، وستجد الحكمة لها مكاناً فيها؛ غير أنه لما كانت هذه الملاذ قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، فإنها في حاجة إلى جهاد حصيف فطين لا يستطيعه إلا صاحب الذكاء.
"فإذا قلنا إذن اللذة هي أعظم خير، فلسنا نقصد بذلك لذات الرجل الفاجر الداعر، أو اللذات التي تقع في مجال المتعة الجنسية … ولكننا نقصد تحرر الجسم من الألم، والروح من الانزعاج. ذلك أن الشراب والمرح الدائمين أو الاستمتاع بصحبة النساء أو ولائم السمك وغيره من الأطعمة الغالية ليست هي التي تجعل الحياة سارة لذيذة، بل يجعلها كذلك هو التفكير الهادئ