للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها كل جزء من سطحهِ، والتي تطبع على حواسنا نسخة صغيرة من طبيعته وشكله فإذا كان لا بد لنا والحالة هذه أن نكون لأنفسنا نظرية عن العالم (وليس تكوين هذه النظرية في واقع الأمر ضرورياً) فخير لنا أن نأخذ برأي دمقريطس القائل بأن لا شيء موجود، أو يمكن أن يكون معروفاً لنا، بل لا شيء يمكن أن نتخيله، اللهم إلا الأجسام والفضاء، وبأن الأجسام كلها تتألف من ذرات لا تنقسم ولا تتغير … وليس لهذه الذرات لون، ولا حرارة، ولا صوت، ولا ذوق، ولا رائحة. وإنما تنتج كلها من الكريات المشعة من الأجسام والتي تلقى على أعضاء الحس في أجسامنا. ولكن الذرات تختلف في حجمها، ووزنها وشكلها؛ لأن هذا الفرض وحده هو الذي نستطيع أن نفسر به بين الأشياء من اختلاف لا آخر له. وكان أبيقور يحب أن يفسر عمل الذرات على مبادئ آلية خالصة، ولكنه لما كان مولعاً بالأخلاق أكثر من ولعهِ بنظام الكون، ولما كان حريصاً على أن يستمسك بحرية الإدارة بوصفها مصدر التبعة الأخلاقية ودعامة الشخصية، فإنه يترك دمقريطس معلقاً بين السماء والأرض، ويفترض وجود نوع من التلقائية في الذرات: فهي تحيد قليلاً عن الخط العمودي حين تهوي في الفضاء، وبهذا تدخل في التراكيب التي تتكون منها الأركان (العناصر) الأربعة، والتي تتكون منها- عن طريق هذه الأركان- المشاهد الخارجية (٢٠). وهناك عوالم كثيرة، ولكن ليس من العقل في شيء أن نشغل بها أنفسنا. وفي وسعنا أن نفترض أن حجمي الشمس والقمر يقربان من حجميهما اللذي يبدوان لنا، فإذا فعلنا هذا كان في مقدورنا أن نصرف وقتنا في دراسة الإنسان.

والإنسان نتاج طبيعي في جزئياته ومجموعه. وأكبر الظن أن الحياة قد بدأت بالتوالد التلقائي، ثم ارتقت على غبر خطة مرسومة بالانتخاب الطبيعي لأصلح الأشكال (٢١). وليس العقل إلا نوعاً آخر من المادة، والروح جسم مادي رقيق منبث في جميع أجزاء الجسم (٢٢)، وهي لا تستطيع أن تحس