القائل إن هدف الفلسفة هو أن تحرر الناس من الخوف- وخاصة من خوف الآلهة؛ وهو يكره الدين لأن الدين، في رأيهِ، يقوم على الجهل، ويزيده، ويظلم الحياة بما يبثه في النفس من رهبة جواسيس السماء، والأقدار الصارمة القاسية، والعقاب الذي لا يقف عند حد. ويقول أبيقور إن الآلهة موجودة، وأنها تستمتع في مكان بعيد بين النجوم بحياة صافية هادئة منزهة عن الموت، ولكنها أعقل من أن تشغل نفسها بشؤون البشر وهم ذلك النوع الصغير التافه من الخلائق. وليست الآلهة هي التي أنشأت العالم وليست هي التي ترشده وتسيره. وكيف يستطيع هؤلاء الأبيقوريون المقدسون أن يخلقوا هذا العالم الوسط، وهذا المشهد المسكون من خليط من النظام والفوضى؛ والجمال والألم (١٠)؟؛ يضيف أبيقور إلى ذلك قوله:"فإن كان هذا لا يرضيكم، فلتعزوا أنفسكم بأن تفكروا في أن الآلهة بعيدة عنكم بعداً لا تستطيع معه أن تضركم أو تنفعكم، ذلك أنها لا تستطيع أن تراقبكم، أو أن تحكم على أعمالكم، أو أن تقذف بكم إلى الجحيم. أما الآلهة الخبيثة أو الشياطين فهي أوهام تسعة تصورها لنا أحلامنا".
وبعد أن رفض أبيقور الدين رفض أيضاً الميتافيزيقا. وحجته في هذا أننا عاجزون عن معرفة شيء عن العالم الذي لا تدركه الحواس؛ ولذلك يجب ألا نشغل عقولنا بغير التجارب الذي تدركها الحواس، وأن نعد هذه التجارب آخر محك للحقيقة. ويجمع أبيقور في جملة واحدة كل المسائل التي ناقشها لك Locke وليبنتز Leibnitz بعد ألفي عام من ذلك الوقت: إذا لم تأتِ المعرفة من الحواس، فمن أي طريق آخر تأتي إذن؟ وإذا لم تكن الحواس هي الحكم الأخير في الحقائق، فكيف نجد هذا الحكم في العقل الذي لا تصل إليه المعلومات إلا عن طريق الحواس؟.
ومع هذا فهو يرى أن الحواس لا تمدنا بمعلومات أكيدة عن العالم الخارجي، فهي لا تمسك بالذرات الدقيقة التي يقذف