المنافسات وضوضاء المنازعات السياسية، بل يطلب هدوء الريف، ويجد أوكد السعادة وأعمقها في هدوء الجسم والعقل. ولما كان هو المسيطر على شهواتهِ، فإنه يعيش بعيداً عن الادعاء الكاذب، ويطرح وراءه كل المخاوف، وتجزيه "حلاوة الحياة" Hedone الطبيعية بأعظم أنواع الخير وأعلاها شأناً وهو السلم.
تلك عقيدة شريفة جديرة بالحب، ومما يملأ النفس شجاعة أن يجد المرء فيلسوفاً لا يخاف اللذة ومنطقياً ليه كلمة طيبة يقولها عن الحواس. وليس في هذا الكلام غموض وليس فيه تمجيد شديد للفهم، بل إن الأبيقورية، على الرغم من أنها هي التي نقلت النظرية الذرية من العهد القديم إلى العصر الحديث، كانت نقطة تحول من نزعة النشوف القوية التي أنشأت العلم اليوناني والفلسفة اليونانية. وأكبر عيب في هذه الفلسفة هو سلبيتها: فهي تفكر في اللذة على أنها التحرر من الألم، وفي الحكمة على أنها فرار من مخاطر الحياة وامتلائها؛ وهي خطة صالحة طيبة للفردية ولكنها لا تصلح للمجتمع. وكان أبيقور يحترم الدولة لأنه يراها شراً لا بد منه، يستطيع تحت حمايتها أن يعيش آمناً من الأذى في حديقته، ولكن يبدو أنه لم يكن يعنى بالاستقلال القومي، بل يبدو أن مدرسته كانت في واقع الأمر تفضل الملكية المطلقة عن الديمقراطية، لأن الأولى أقل من الثانية ميلاً إلى اضطهاد الإلحاد (٣٢) - وهو قلب للعقائد الحديثة يستلفت الأنظار. وكان أبيقور على استعداد لأن يقبل أية حكومة لا تضع أية عقبة في سبيل طلب الحكمة والصداقة طلباً مطلقاً من القيود والعوائق. وكان إخلاصه للصداقة يعدل إخلاص الأجيال التي سبقته للدولة:"إن الصداقة أهم الوسائل التي تهيئها الحكمة لسعادة الحياة بأجمعها (٣٣) ". وكانت صدقات الأبيقوريين مضرب المثل في دوامها، ورسائل زعيمهم مليئة بعبارات الحب الخالص القوي (٣٤). وقد بادله مريدوه هذا الشعور بالقوة التي نعهدها في مشاعر اليونان. وحسبنا دليلاً على هذا أن الشاب كولوتيز