وما أشبه الإنسان والعالم بالكون الصغير في الكون الكبير، فهو أيضاً كائن حي ذو جسم مادي والنفس مادية، ذلك بأن كل ما يحرك الجسم أو يؤثر فيهِ، وكل ما يحركه الجسم أو يؤثر فيه، لا بد أن يكون ذا جسم. والنفس نسيم ناري (نيوما Pneuma) منبثة في جميع أجزاء الجسم، كما أن النفس العالمية منبثة في جميع العالم. وهي تبقى بعد الجسم إذا مات، ولكنها تبقى على هيئة طاقة غير شخصية. وحين يحدث اللهب الأخير تمتص الروح مرة أخرى في محيط الطاقة وهو الله كما يمتص أتمان Atman في برهمان Brahman.
وإذ كان الإنسان جزءاً من الله أو الطبيعة فإن من اليسير أن تحل المشكلة الأخلاقية على النحو الآتي: الخير هو التعاون مع الله أي مع الطبيعة ونعني بها قانون العالم. وليس الخير هو الجري وراء الاستمتاع أو اللذة لأن هذا الجري يخضع العقل للشهوة، وكثيراً ما يؤذي الجسم أو العقل، وقلما يرضينا في آخر الأمر. ولا يمكن أن تتحقق السعادة إلا بالمواءمة بين أغراضنا وسلوكنا من جهة، وبين أغراض العالم وقوانينه من جهة أخرى؛ وليس ثمة تعارض بين صالح الفرد وصالح الكون، لأن قانون الخير في حالة الفرد يتفق مع قانون الطبيعة. وإذا لحق الشر بالرجل الطيب فإن هذا لا يكون إلا إلى أجل قصير، وليس هو في واقع الأمر شراً؛ ولو أننا استطعنا أن نفهم الأمر كله لرأينا ما وراءه من خير مهما يظهر في أجزائه من الشر (١). والرجل العاقل لا يدرس العلوم
(١) يقول أقريسبوس إن الحروب تصحيح مفيد لازدحام العالم بالسكان، وبق الفراش يفيد في منعنا من الإفراط في النوم.