صلتها بالله، وعرفوا الأخلاق الفاضلة بأنها الاستسلام عن رضا واختيار لإرادة الله. والله عندهم، كالإنسان، مادة حية؛ فالعلم كله جسمه، ونظام العالم وقانونه عقله وإرادته؛ والكون كائن حي ضخم، الله روحه، ونسمته المنعشة، وعقله المخصب، وناره المحركة المنشطة (٥٦). وترى الرواقيين أحياناً يفكرون في الله تفكيراً مجرداً غير مجسد؛ ولكنهم يصورونه في الأكثر الأهم على أنه قوة مدبرة تضع للكون خطته وترشده بعقلها الأعلى، وتنظم أجزاءه كلها لتؤدي أغراضاً تنطبق على العقل، وتجعل كل شيء فيه يعود بالنفع على الأفاضل من الناس. ويوحد أقلانيتوس بين الله وزيوس في ترنيمة توحيدية خليقة بأن ينطبق بها إخناتون أو إشعيا:
حمداً لك يا زيوس، حمداً يفوق حمد جميع الآلهة: إن أسماءك لكثيرة،
وإن قوتك لأعظم القوى إلى أبد الدهر.
منك بدأ العالم، وأنت تحكم الأشياء كلها بقوة القانون،
وإليك تتحدث كل الأجسام لأننا نحن جميعاً أبناؤك.
ومن أجل هذا أرفع إليك نشيداً أتغنى فيه بقوتكَ:
إن نظام الكون بأجمعه يطيع كلمتك في تحركها حول الأرض
حيث تختلط الأضواء الصغيرة والكبيرة: ألا ما أجل شأنك
لك الملك إلى أبد الدهر!
لا شيء يحدث على الأرض إلا بعلمك، ولا في السماء ولا في البحار:
إلا ما يفعله الأشرار: مدفوعين إليه بحمقهم؛
ولكن لك من الحذق ما يصلح المعوج نفسه، وما لا صورة له يصور
والبعيد أمامك قريب
وهكذا نظمت الأشياء كلها فجعلتها وحدة: خيرها وشرها:
حتى تكون كلمتك واحدة في الأشياء جميعها: باقية إلى الأبد.