زينون عبده لأنه سرق، وكان العبد يعرف قليلاً من العلم، قال له:"ولكني قد قدر عليَّ أن أسرق"، فرد عليه زينون بقولهِ:"وقدر أيضاً أن أضربك"(٦١). ويرى الرواقي أن جزاء الفضيلة هو الفضيلة نفسها، وأنها واجب مطلق وأمر محتوم، مستمد من اشتراكه في الألوهية؛ وإذا أصابه مكروه عزى نفسه بأنه حين يتبع القانون الإلهي يصبح هو الله مجسداً (٦٢). فإذا سئم الحياة، واستطاع أن يفارقها من غير أن يسبب الأذى لغيره، فلا حرج عليه من أن ينتحر. ولما بلغ أقلانتيوس سن السبعين شرع يصوم صوماً طويلاً، ثم قال إنه لن يعود بعد أن قطع نصف الطريق، وواصل الصوم حتى مات (٦٣).
على أن الرواقي مع هذا ليس بالرجل غير الاجتماعي، وهو لا يفخر بالفقر كالكلبي، ولا يغرم بالوحدة كالأبيقوري. وهو يوافق على الزواج وعلى وجود الأسرة ويراهما لازمين، وإن كان لا يمتدح الحب الروائي؛ وهو يتطلع إلى وجود مدينة فاضلة تكون فيها النساء شركة بين الرجال (٦٤). ويقبل وجود الدولة، بل يقبل الملكية المطلقة نفسها؛ وليست لديه ذكريات عزيزة عن دولة- المدينة، ويرى أن أوساط الناس مغفلون شديدوا الخطر، ويفضل الملوك المطلقي السلطة على تحكم الغوغاء. والحق أنه قلما يعنى بأية حكومة، ويتمنى أن يكون الناس كلهم فلاسفة، حتى تصبح القوانين لا ضرورة لها. وهو لا يفكر في الكمال كما يفكر فيه أفلاطون أو أرسطو من حيث علاقته بخير المجتمع، بل يفكر فيه من حيث علاقته بالرجل الصالح. ولا يرى حرجاً في أن يشترك في الشؤون السياسية، ويناصر كل حركة ضعيفة، تهدف إلى الحرية والكرامة الإنسانية، ولكنه لا يقيد سعادته بقيود المنصب أو السلطان. وهو يرضى بأن يضحي بحياتهِ في سبيل بلاده، ولكنه يرفض