مملكتي الحيوان والنبات، وأوشكا أن يبتدعا الأرصاد الجوية، والحيوان، والأجنة والنبات. وحرر أبقراط الطب من التصوف والنظريات الفلسفية ورفع من منزلته بأن ضم إليه قانوناً أخلاقياً سامياً. وارتقى هروفيلس وإراستراتس بعلمي التشريح ووظائف الأعضاء إلى درجة لم تصل إليها أوربا بعدهما- إذا استثنينا جالينوس وحده- إلا في عهد النهضة. ونحن نتنفس في أعمال أولئك الرجال نسيم العقل الهادئ، غير الواثق أو الآمن على الدوام، ولكنه العقل المبرأ من العواطف والأساطير. ولعلنا لو كانت لدينا روائعه كاملة لحكمنا من فورنا بأن العلوم الطبيعية اليونانية أجل الأعمال الذهنية الرائعة في تاريخ الإنسانية.
غير أن الرجل المولع بالفلسفة لا يرضى بسهولة أن يجعل للعلوم الطبيعية والفنون الجميلة أعلى منزلة فيما ورثناه عن اليونان الأقدمين. ذلك أن علم اليونان الطبيعي كان هو نفسه وليد الفلسفة اليونانية- وليد ذلك التحدي الجريء للأقاصيص الخرافية، وذلك الحب القوي للبحث، الذي ظل عدة قرون يجمع بين العلم والفلسفة في مغامرات البحث والتنقيب. ولم يشهد العالم قبل اليونان رجالاً يفحصون عن الطبيعة بمثل دقتهم وبمثل ولعهم بها وحبهم إياها. ولم ينقص اليونان من مكانة العالم السامية باعتقادهم أنه كون منظم وأن نظامه هذا يجعله قابلاً للفهم والإدراك. وقد ابتدعوا المنطق لنفس السبب الذي جعلهم يبتدعون التماثيل التي بلغت ذروة الكمال؛ والتناسق، والوحدة، والتناسب، والشكل هي في رأيهم معين فن المنطق ومنطق الفن. وقد دفعهم تشوفهم وتطلعهم لمعرفة كل حقيقة وكل نظرية إلى أن يجعلوا الفلسفة مغامرة ممتازة من مغامرات العقل الأوربي، وهم لا يكتفون بهذا بل نراهم لا يكادون يتركون فرضاً من الفروض أو نظاماً من الأنظمة إلا فكروا فيه، ولا يكادون يتركون لغيرهم شيئاً يقولونه عن مشاكل الحياة الكبرى. فالواقعية، والقول بأن الأشياء موجودة بالاسم دون الحقيقة، والمثالية والمادية، والتوحيد، ووحدة الوجود،