للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"يَطعم التُّم (١) من مجاريها المعشوشبة (٣) ". وتمتد في شبه الجزيرة العظيمة سلسلة جبال الأبنين امتداد العمود الفقري في جسم الإنسان، فيتقي بها شاطئ البلاد الغربي الرياح الشمالية الشرقية الباردة، وتنبع منها أنهار تروي الأرض بمائها وتنحدر مسرعة لتصبه في خلجان البحر ذات المنظر الخلاب. وتقوم جبال الألب في الشمال لتصد عن البلاد المغيرين، أما في سائر أطراف البلاد فإن أمواج البحر الصاخبة تتلاطم بشطئان كثير منها وعر قائم صعب المرتقى. لقد كانت هذه البلاد في تاريخها القديم خليقة بأن تجزي أهلها المجدين خير الجزاء وأوفاه، وكانت ذات موقع حربي هام في حوض البحر الأبيض المتوسط يمكنها من السيطرة على العالم القديم.

وكانت جبالها مصدر كوارثها كما كانت مصدر جمالها وروعتها، ذلك أن الزلازل والثورات البركانية كانت من حين إلى حين تبتلع جهود الأجيال المتعددة وتطمرها في أطباق الرماد أو تحرقها بحمم البراكين؛ ولكن الموت كان في هذه البلاد، كما هو في معظم بلاد العالم، مصدرًا للحياة ونعمة من أنعمها. ذلم أن الحمم المختلطة بالمواد العضوية كانت موردًا لإخصاب التربة لا ينضب له على مدى الأيام معين (٤). لقد كانت بعض الأرضين منحدرة وعرة لا تصلح للزراعة، وكان بعضها الآخر مناقع تنتشر منها حمى الملاريا؛ ولكن الكثير منها قد بلغ من خصب التربة ما جعل بوليبيوس Polybius يعجب من وفرة الطعام وقلة ثمنه في إيطاليا القديمة (٥)، ويقول إن في وسع الإنسان أن يدرك مقدار ما تخرجه من الغلات ونوعها حين يشاهد نشاط أهلها وقوتهم وشجاعتهم. ويظن ألفيري Alfieri أن "الشجرة- الآدمية" تنتعش في إيطاليا خيرًا مما تنتعش في سائر بلاد العالم (٦). بل أن الطالب الهياب في هذه الأيام نفسها ليعتريه بعض الوجل


(١) هكذا يسميه الدميري وهو الذي يسميه العامة في مصر بالإوز العراقي Olor واسمه العلمي Cygnum (المترجم)