من قوة مشاعر ذلك الشعب المدهش الخلاب- من عضلاته المفتولة، ومن سرعة حبه وغضبه، ومن عيونه الكتومة أو البراقة الملتهبة؛ وإن الكبرياء والحميا اللذين كانا منشأ عظمة إيطاليا، واللذين قطعا أوصالها في أيام ماريوس Marius وقيصر Caesar وفي عصر النهضة الأوربية، لا يزالان يجريان حتى الآن في الدم الإيطالي في انتظار قضية عادلة أو حجة طلية. والرجال كلهم إلا القليل النادر منهم مكتملو الرجولة وسيموا الخلق، والنساء كلهن تقريباً حسان، يمتزن بالقوة والشجاعة. وهل في العالم بلاد أنجبت من العباقرة مثل ما أنجبت الأمهات الإيطاليات طوال الثلاثين قرنًا التي يشملها تاريخ تلك البلاد؟ وهل في العالم بلاد غير إيطاليا كانت رحى التاريخ- في نظم الحكم أولاً ثم في الدين، ثم في الفن؟ لقد ظلت روما مدى سبعة عشر قرنًا- من كاتو الرقيب Cato Censor إلى ميكل أنجلو مركز العالم الغربي.
أما أصل الإيطاليين فيقول عنه أرسطو: "يقول أصدق الناس حكمًا في هذا البلد إنه لما أصبح إيطالس Itaus ملك أئنتريا Oenotria بدَّل أهل البلاد اسمهم فلم يعودوا يسمون أنفسهم أئنتوريين بل تسموا إيطاليين (٧)". ولقد كانت أئنتريا هي مكان الإصبع الكبرى في الحذاء الإيطالي، ومعنى هذا اللفظ هو "أرض النبيذ" لكثرة ما كان فيها من الكروم. ويقول توكيديدس Thucydides إن إيطالس هذا كان ملك الصقليين الذين احتلوا أئنتريا في طريقهم لاحتلال جزيرة صقلية وتسميتها بهذا الاسم (٨). وكما أن الرومان قد أطلقوا على الهلينيين جميعًا اسم الأغارقة، وهو اسم جماعة قليلة هاجرت من شمال أتيكا Attica إلى نابلي، فكذلك توسع الإغريق في معنى إيطاليا حتى شمل هذا الاسم جميع أرض شبه الجزيرة من جنوب نهر البو Po إلى أقصى طرفها الجنوبي.
وما من شك في أن فصولاً كثيرة من تاريخ إيطاليا لا تزال مطمورة في أطباق ثراها المزدحم بالأهلين. ويدل ما كشف فيها من آثار ثقافة العصر