"عمل على أن يبعث في قلوب الشعب الخوف من الآلهة، ويجعل ذلك الخوف أقوى أثرًا في قلوب … الأقوام الهمج. وإذ كانت جهوده في هذه السبيل لا توصله إلى الهدف الذي يسعى إليه إلا إذا كان مرجعها إلى حكمة غير حكمة البشر، فقد ادعى أنه كان يلتقي في الليل بإيجيريا Egeria الحورية المقدسة، وإنه يعمل بنصيحتها حين ينظم الطقوس والمراسم الدينية التي هي أحب الطقوس إلى السماء، ويعين الكهنة لكل إله من كبار الآلهة (٣٣).
ولما أفلح توما في توحيد دين قبائل روما المختلفة، وإزالة ما بينها من فروق في العبادات، قوّى بذلك وحدة الدولة وزادها استقراراً (٣٣)؛ ويقول شيشرون إن نوما، حين وجه اهتمام الرومان المولعين بالحرب والقتال إلى شئون الدين، نشر لواء السلام بين شعبه مدى أربعين عاماً (٣٤).
وأعاد خليفته تلس هستليوس Tallus Hostilius إلى الرومان حياتهم العادية التي ألفوها من قبل "ولما رأى أن قوى الدولة آخذة في الانحلال لطول عهدها بالخمول أخذ يتطلع إلى حجة يتذرع بها لإيقاد نار الحرب"(٣٥). واختار عدوًا له مدينة ألبا لنجا التي كانت هي أصل مدينة روما ومنشأها، فغزاها ودمرها عن آخرها. ولما نكث ملك ألبا بوعده أن يحالفه أمر به تلس فشُد إلى عربتين سارتا في اتجاهين متضادين فمزق جسمه إربًا (٣٦). ولم يرَ خليفته أنكس مارتيوس Ancus Martius بأسًا في اتباع هذه الفلسفة العسكرية، فقد كان أنكس يعلم كما يقول ديو كاسيوس Dio Cassius:
أنه لا يكفي من ينشدون السلم أن يمتنعوا عن أذى الناس … بل أنه كلما اشتدت رغبة الإنسان في السلم اشتد تعرضه للأذى. وكان يرى أن الرغبة في الهدوء لا تحمي الإنسان من الأذى إلا إذا صاحبها استعداد للحرب؛ وكذلك كان يعتقد أن الابتهاج بالبعد عن المشاكل الخارجية سرعان ما يقضي على الذين يسرفون في حماستهم لهذا البعد (٣٧).