مدى جيل من الزمان، ولكن ما خلفته الثورة من نتائج ظل باقيًا دائم الأثر.
وقضت هذه الثورة على قوة التسكانيين، ولكن آثار النفوذ التسكاني ودلائله ظلت باقية في الحضارة الرومانية إلى آخر أيامها. ولعل أقل هذا النفوذ أثراً هو ما كان في اللغة اللاتينية؛ بيد أن الأرقام الرومانية هي في أغلب الظن أرقام تسكانية (٥٠)، ولعل لفظ رومه نفسه مشتق من اللفظ التسكاني رومون Rumon ومعناه نهر (٥١). وكان الرومان يعتقدون أنهم أخذوا عن إتروريا الاحتفالات التي كانت تقام عند عودة قائد روماني منتصر، والأثواب الموشاة بإطار أرجواني، والمقعد العاجي (الشبيه بمقاعد العربات) الذي يجلس عليه الحكام، والعصى والفؤوس التي كان يحملها أمام كل قنصل اثنا عشر ضابطاً، والتي كان يرمز بها إلى حقه في ضرب الناس وقتلهم (١). وكانت عملة رومه تزدان بمقدم سفينة قبل أن يكون لرومه سفن بزمن طويل- وكانت هذه الصورة ترسم على العملة التسكانية رمزًا لنشاطها وسلطانها البحري. وكان من عادة الأشراف الرومان من القرن السابع إلى الرابع قبل الميلاد أن يرسلوا أبناءهم إلى المدن التسكانية ليتلقوا فيها التعليم العالي، وكان من بين ما يتلقونه فيها من العلوم الهندسة والمساحة والفنون المعمارية (٥٥). وكانت الملابس الرومانية مأخوذة عن الملابس التسكانية أو لعل هذه وتلك مأخوذتان عن أصل واحد.
وجاء الممثلون الأولون إلى رومه كما جاء إليها اسمهم historiones من إتروريا. وإذا جاز لنا أن نصدق ليفي فإن تاركوينيوس برسكس هو
(١) وقد وجدت في أحد القبور التسكانية في فتيولونيا Vetulonea بلطة من حديد ذات رأسين، ويد محاطة بثمانية قضبان حديدية. وكانت البلطة ذات رأسين تتخذ رمزًا للسلطان من عهد لا يقل في القدم عن عهد الحضارة المينوية في كريت. وكان الرومان يطلقون على البلطات والقضبان المحيطة بها اسم الحزم- (الفاشات). أما عدد الضباط الاثنى عشر الذين يحملون هذه البلطة والذين يسمون بالرومانية لكتورين Lictors (من Ligare ومعناها يربط) فيرجع إلى الاثنى عشر مدينة التي كان يضمها الاتحاد التسكاني، وكانت كل واحدة منها ترسل ضابطًا يصحب الرئيس الأعلى لهذا الاتحاد.