على السلم. وأوشك مجلس الشيوخ أن يقبل شروطه ولكن أبيوس كلوديوس Appius Cladius، الشيخ الأعمى المسن الذي كان قد اعتزل الحياة العمة من زمن طويل، طلب إلى بعض الناس أن يحملوه إلى دار المجلس، فلما دخل على الأعضاء طلب إليهم تعقد رومه قط صلحًا مع جيش أجنبي في أرض إيطاليا. ورد مجلس الشيوخ إلى بيرس من أطلقهم من الأسرى وبدأت الحرب من جديد. وانتصر الملك الشاب على الرومان مرة أخرى، ثم عافت نفسه جبن أحلافه وضعفهم وترددهم، فأبحر مع من بقي معه من جيشه إلى صقلية ورفع عن سرقوسة حصار القرطاجنيين، وطردهم من أملاكهم في الجزيرة حتى لم يبق لهم فيها إلا القليل. ولكنه اغضب بحكمه القوي اليونان سكان صقلية، وكانوا يظنون أن في وسعهم أن يستمتعوا بالحرية دون أن يؤدوا لها ثمنًا من النظام والشجاعة، فقبضوا عنه معونتهم، فعاد بيرس إلى إيطاليا وهو يقول عن صقلية:"ما أعظمها من غنيمة تتنازعها قرطاجنة ورومه! " والتقى جيشه بالجيش الروماني في بنفنتم ومني بالهزيمة لأول مرة (٢٧٥). واتضح في هذه الواقعة أن الأولوية الخفيفة السلاح السريعة الحركة أصلح من الصفوف المتراصة البطيئة، وبدأت بذلك صفحة جديدة في تاريخ الحروب. وأهاب بيرس بأحلافه الإيطاليين أن يمدوه بجيوش جديدة، فلم يلبوا نداءه لارتيابهم في إخلاصه ومثابرته. فعاد إلى إبيروس ومات في بلاد اليونان ميتة المغامرين. وفي السنة التي مات فيها (٢٧٢ ق. م) غدرت ميلو Milo بتارنتم وانضمت إلى رومه. وما لبثت المدن اليونانية كلها أن خضعت لرومه واستسلم لها السمنيون وهم كارهون محزونون، وأمست إيطاليا بعد حروب دامت قرنين كاملين سيدة إيطاليا لا ينازعها فيها منازع.
وسرعان ما ثبتت رومه أقدامها في البلاد المفتوحة بما كانت ترسله إليها من الجاليات، بعضها من أهلها وبعضها من بلاد الحلف اللاتيني. وقد أفادتها هذه الجاليات فوائد كثيرة: فقد خففت عنها خطر التعطل، وقللت من تزاحم الأهلين