سلسو القياد في أيدي حكامهم، قساة على الشعوب الخاضعة لسلطانهم، إذا خافوا بلغوا منتهى الجبن، وإذا غضبوا بلغوا منتهى الوحشية، عنيدون لا يرجعون عن شيء أقروه، صارمون، لا يستجيبون إلى دواعي اللهو أو مباهج الحياة (٥). ولكن فلوطرخس رغم ما عرف به من العدل في أحكامه كان يونانيًا على الدوام، وأما بولبيوس فكان صديقًا حميمًا لسبيو الذي حرق قرطاجنة ومحا آثارها من الوجود.
ويبدو القرطاجنيون في أسوء صورهم في دينهم، وإن كان كل ما نعرفه عنهم من هذه الناحية قد وصل إلينا عن طريق أعدائهم. لقد كان أسلافهم في فينيقية يعبدون بعل مُلُك وعشتروت بوصفهما ممثلين لعنصري الذكر والأنثى في الطبيعة وللشمس والقمر في السماء؛ وعبد القرطاجنيون إلهين مماثلين لهما وهما بعل هامان وثانيت. وكانت ثانيت بصفة خاصة تثير حبهم وتقواهم؛ فكانوا يملئون هياكلها بالهدايا ويقسمون بأسمها. ويلي هذين الإلهين في التعظيم ملكارت "مفتاح المدينة" ثم إشمون رب الثروة والصحة، ويأتي من بعد هذه كلها حشد كبير من الآلهة الصغرى تسمى "البعول" أو الأرباب. بل عن ديدو نفسه كان من هذه المعبودات (٦). وكانوا في الأزمات العصيبة يضحون لبعل- هامان بالأطفال الأحياء، وكان عدد من يضحي بهم لهذا الإله في اليوم الواحد يبلغ أحيانًا ثلاثمائة طفل. وكانت طريقتهم في هذه التضحية أن يضعوا الأطفال فوق ذراعي هذا الوثن المبسوطتين، ثم يدحرجونهم إلى النار المتقدة أسفل الذراعين؛ وكان يغطى على صياحهم أصوات الأبواق والدفوف، ويطلب إلى أمهاتهم أن يشهدن هذا المنظر دون توجع أو بكاء لئلا يتهمن بالكفر ويخسرون ما هو خليق بهم من رضاء الآلهة. وتطورت الأمور بعد ذلك فكان الأغنياء يأبون أن يضحوا بأطفالهم ويبتاعون بدلاً منهم أطفال الفقراء، فلما أن حاصر أجثكليز Agathocles صاحب سرقوسة Syracuse مدينة قرطاجنة خشيت الطبقات العليا من أهل المدينة أن يكون احتيالها وتهربها من واجبها المقدس قد أغضب الآلهة فألقت في النار مائتين