للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رفيع من الوجهة الأخلاقية ومن حيث سلطان الأبوين، ولا تقلّ في هذا عنها في أرقى الحضارات في هذه الأيام. وكان الطلاق نادراً إلا في عهد الاضمحلال. وكان في مقدور الزوج أن يخرج زوجته من داره دون أن يعوضها بشيء إذا زَنَت؛ أما إذا طلقها لغير هذا السبب فكان عليه أن يخصص لها جزءاً كبيرا من أملاك الأسرة.

كذلك كان الأزواج يبذلون قصارى جهدهم في الإخلاص لزوجاتهم- على قدر ما يستطيع الإنسان أن يحكم في هذه الأمور الخفية. ولم يكن مستواهم في هذا أقل منه في المدنيات اللاحقة، وكان مركز المرأة عندهم أرقى من مركزها عند كثير من الأمم في هذه الأيام. وفي ذلك يقول ماكس ملر: "ليس ثمة شعب قديم أو حديث قد رفع منزلة المرأة مثل ما رفعها سكان وادي النيل" (٩٧). فالنقوش تصور النساء يأكلن ويشربن بين الناس، ويقضين ما يحتجنه من المهام في الشوارع من غير رقيب عليهن ولا سلاح بأيديهن، ويمارسن الأعمال الصناعية والتجارية بكامل حريتهن. ولشد ما دهش الرحالة اليوناني- وقد اعتادوا أن يضيقوا على نسائهم السليطات- من هذه الحرية، وأخذوا يسخرون من الأزواج المصريين الذين تتحكم فيهم زوجاتهم. ويقول ديودور الصقلي- ولعله يهدف بقوله هذا إلى السخرية من المصريين- إن طاعة الزوج لزوجته في وادي النيل كانت من الشروط التي تنص عليها عقود الزواج (٩٨)، وهو شرط لا ضرورة للنص عليه في أمريكا! وكان النساء يمتلكن ويورثن، كما تشهد بذلك وثيقة من أقدم الوثائق في التاريخ، وهي وصية من عهد الأسرة الثالثة توصي فيها السيدة نب- سنت بأرضها لأبنائها (٩٩). وقد ارتقت حتشبسوت وكليوبطرة عرش مصر، وحكمتا وخربتا كما يحكم الملوك ويخربون.

على أننا نجد أحيانا نغمة ساخرة في الآداب المصرية. من ذلك ما كتبه رجل من رجال الأخلاق الأقدمين يحذر قراءه منهن: