وفي وسعنا أن نتصور غضب هملكار من هذه المعاملة القاسية التي عوملت بها بلاده. فعرض على حكومته أن تمده بالجند والمال ليعيد قوة قرطاجنة في أسبانيا وليستعين بها مهاجمة إيطاليا. وعارض الملاك الأشراف في هذه الخطة لأنهم كانوا يخافون مغبة الحرب، ولكن طبقة التجار التي حز في نفوسها ما فقدته من الأسواق والثغور الأجنبية أيدته. وتراضت الفئتان بعدئذ على أن يعطى هملكار قوة صغيرة عبر بها البحر إلى أسبانيا (٢٣٨)، واستولى على المدن التي كان ولاؤها لقرطاجنة قد تزعزع في أثناء الحرب، وقوى صفوف جيشه بأهلها، وجهزه وأمده بالمال من غلات المناجم الأسبانية، ومات وهو يقود هجوماً على إحدى قبائل تلك البلاد (٢٢٩).
وترك وراءه في معسكره هزدروبال زوج ابنته وأولاده هنيبال وهزدروبال وماجو- الملقب "بابن أسده". واختير زوج ابنته قائدًا في مكانه، وظل ثماني سنسن يحكم البلاد بحكمة وسداد كسب في أثنائها معونة الأسبان، وأقام بجوار مناجم الفضة مدينة عظيمة يعرفها الرومان باسم قرطاجنة الجديدة (Nova Carthage) وهي مدينة قرطاجنة الباقية إلى اليوم. ولما اغتيل في عام ٢٢١ اختار الجيش لقيادته هنيبال أكبر أبناء هملكار، وكان وقتئذ في السادسة والعشرين من عمره. وكان أبوه قد جاء به قبل أن يغادر قرطاجنة، وهو لا يزال غلاماً في التاسعة من عمره، إلى مذبح بعل- هامان واستحلفه أن يثأر لبلاده من رومه في يوم من الأيام. وأقسم هنيبال ولم ينس قط قسمه.