آلاف، وزحفت نحو الشمال لتخضع جميع بلاد الغاليين الواقعة في جنوب جبال الألب، وأنمت هذا العمل في ثلاث سنين وأنشأت مستعمرات رومانية عند بلاسنتيا Placentia، وكرمونا Cremona لحماية البلاد من الغاليين وبذلك أصبحت إيطاليا دولة واحدة تمتد من جبال الألب في الشمال إلى صقلية في الجنوب.
ولكن هذا النصر قد جاء في غير أوانه؛ فلو أن الغاليين قد تركوا في أماكنهم بضع سنين أخرى لكان في وسعهم أن يقفوا في وجه هنيبال؛ أما والحال كما هي فإن بلاد الغالة كلها كانت تضطرم بنار الثورة على رومه. ورأى هنيبال أن هذه هي الفرصة التي طالما تاقت نفسه إليها- فرصة اجتياز بلاد الغاليين دون أن يلقي مقاومة تستحق الذكر، وغزو إيطاليا ومعه القبائل الغالية تحالفه وتشد أزره.
وكان القائد البوني يومئذ في الثامنة والعشرين من عمره، وفي عنفوان شبابه، وثيق الأركان ثبت الجنان. وكان قد جمع إلى ثقافة السادة القرطاجنيين، وتمكنهم من لغتي فينيقية وآدابهما وتاريخهما (٢١)، جمع إلى هذه الثقافة تدريباً عسكرياً دام عشر عاماً في المعسكر الحربي، أدب في خلالها نفسه أحسن تأديب، فعود جسمه شظف العيش ومغالبة الصعاب، وأخضع شهواته لعقله، وعود لسانه السكوت، كما عود أفكاره أن تركز فيما يهدف إليه من الأغراض. ولم يكن يضارعه أحد في الجري أو في سباق الخيل، وكان في مقدوره أن يخرج إلى الصيد أو القتال مع أشجع الشجعان؛ ويصفه ليفي وهو من أعدائه بأنه:"كان أول من يدخل المعمعة، وآخر من يخرج من الميدان (٢٢) ". وكان محببًا إلى القواد والجنود الذين ضرستهم الحروب، لأنهم إذا كانوا في حضرته تمتلكهم هيبته وثاقب نظراته فخالفوا أن هملكار قائدهم الأكبر قد عاد إليهم في عنفوان الشباب. وأحبه المجندون الجدد لأنه لم يكن يرتدي ثياباً يميز