وهزم هنيبال للمرة الأولى في حياته، فقد تضعضع القرطاجنيون، وكان معظم من الجند المرتزقة، أمام مشاة الرومان وفرسان مسينسا Massinissa ملك نوميديا المجازفين الأبطال. وقاتل هنيبال وهو في سن الخامسة والأربعين كما كان يقاتل وهو في نضرة الشباب، فهجم على سبيو بنفسه وجرحه، ثم ثنى بمسينسا، وأعاد تنظيم قواه بعد أن اختل نظامها أكثر من مرة، وقادها في هجمات مضادة شديدة على الأعداء. فلما لم يبق له أمل في النصر أفلت من الأسر وسار على ظهر جواده إلى قرطاجنة، وأعلن أنه لم يخسر الموقعة فحسب بل خسر الحرب كلها معها، وأشار على مجلس الشيوخ بأن يطلب الصلح. وعامل سبيو القرطاجنيين معاملة الكرام فرضى أن تحتفظ قرطاجنة بأملاكها في إفريقية، ولكنه طلب إليها أن تسلم لرومه جميع سفنها الحربية عدا عشر من ذات الثلاثة الصفوف من المجدفين، وألا تشتبك في حرب خارج إفريقية أو داخلها إلا بعد موافقة رومه، وأن تؤدي إليها غرامة حربية سنوية مقدارها مائتا تالنت أي ما يقرب من ٧٢٠. ٠٠٠ ريال أمريكي مدى خمسين عامًا. وأعلن هنيبال أن هذه الشروط عادلة وأشار على مجلس الشيوخ بقبولها.
وغيرت الحرب البونية الثانية وجه البحر الأبيض المتوسط من ناحيته الغربية، فقد سيطرت رومه بعدها على أسبانيا كلها وما فيها من ثروة فأمدتها بما يلزمها من المال لفتح بلاد اليونان، وأعادت إلى إيطاليا وحدتها تحت سيادة رومه لا ينازعها فيها منازع، وفتحت جميع الطرق والأسواق للسفن والبضائع الرومانية؛ ولكنها كانت أكثر الحروب القديمة جميعها نفقة، فقد خربت مزارع إيطاليا الجنوبية أو ألحقت بها أشد الأضرار، وهدمت أربعمائة من مدنها، وأهلكت ثلاثمائة ألف من رجالها (٣١)؛ ولم تفق إيطاليا الجنوبية حتى اليوم من جميع ما أصابها من هذا الدمار. يضاف إلى هذا أن هذه الحرب قد أضعفت الديمقراطية إذ أظهرت أن الجمعيات الشعبية عاجزة عن أن تحسن اختيار القواد أو إدارة دفة الحروب؛ وكانت سببًا فيما طرأ على حياة الرومان وأخلاقهم من انقلاب، فقد